فرضت تداعيات وباء كوفيد-19 تغييرات كبيرة في طريقة تفكير المستهلكين والشركات في الشرق الأوسط، لا سيما على مستوى كيفية إجراء ومعالجة المدفوعات التي تغذي حركة الحياة اليومية والاقتصاد بشكل عام. وقال فهد العنزي، المدير العام لشركة أي بي أم في المملكة العربية السعودية، يخضع مشهد المدفوعات لتغييرات مستمرة، حيث تتوقع بيانات صادرة عن «معهد أي بي أم لقيمة الأعمال» نمو اقتصاد المنصات ليمثل ما يقارب ثلث التجارة العالمية بحلول العام 2025. ومن الواضح اليوم بأن الشركات والمستهلكين يتحولون إلى المدفوعات الفورية. ومع زيادة اعتماد المستهلكين على التجارة الرقمية، أصبحت حلول الفع الرقمية أداة لتبادل الأموال عوضًا عن التعاملات النقدية، ويمكن أن يُعزى جزء من هذا التحوّل السريع إلى تفشي وباء كوفيد-19. إذ كشف تقرير أجرته Checkout.com مؤخرًا عن زيادة معاملات الدفع الرقمية في الشرق الأوسط بمقدار الضعف منذ بداية الوباء. وبيّنت الدراسة بأن منطقة الشرق الأوسط، التي تشتهر بهيمنة المدفوعات النقدية، تمتلك فرصة جيدة لنمو المدفوعات الرقمية، مع تحوّل المتسوقين عبر الإنترنت إليها بصورة متزايدة عوضًا عن الدفع نقدًا عند التوصيل، وصدرت ضمن تقرير شركة KMPG حول المنطقة، بأن تزيد قيمة التعاملات في سوق التكنولوجيا المالية في السعودية عن 123 مليار ريال سعودي (33 مليار دولار أمريكي) بحلول العام 2023. وبالطبع، فرضت هذه التغييرات ضغوطًا كبيرة على البنية التحتية الحالية للمدفوعات. وأضاف العنزي، "بالحديث عن تأثير هذه التطورات على قطاع المدفوعات الفورية والبنية التحتية الإقليمية للمدفوعات بعد أن يتجاوز عالمنا مرحلة الوباء، نجد بأن هناك ثلاثة اعتبارات رئيسية، وهي منح التراخيص لمشغلين جدد متخصصين في مجال المدفوعات في إشارة إلى الاهتمام المتزايد بإمكانيات هذه التكنولوجيا. فخلال شهر نوفمبر 2020، أعلنت شركة المدفوعات السعودية، التي تأسست في عام 1952، عن منح تراخيص لكل من شركتي Skyband وFoodics ليبلغ بذلك إجمالي عدد الشركات المرخص لها بممارسة نشاط المدفوعات من قِبل المؤسسة في قطاع التقنية المالية 11 شركة. ولتحقيق أكبر قدرة من الفائدة من الفرص التي يمكن أن توفرها الاقتصادات الإقليمية الآخذ في الازدهار والنمو، أعلنت شركة المدفوعات السعودية، التابعة والمملوكة بالكامل للبنك المركزي السعودي (ساما)، عن إطلاق نظام المدفوعات الفورية "سريع"، بالتعاون مع «أي بي أم» وماستركارد. ويمثل هذا التعاون خطوة أساسية تعزز مفهوم الابتكار في مجال نظم المدفوعات على مستوى منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا ككل. ويتماشى إطلاق نظام "سريع" مع مستهدفات برنامج تطوير القطاع المالي، أحد برامج تحقيق رؤية 2030، والذي يهدف للوصول بنسبة التعاملات غير النقدية في المملكة إلى 70% بحلول عام 2030. ويسمح نظام المدفوعات الفورية "سريع" لعملاء القطاع المصرفي بإرسال واستلام الأموال بشكل فوري عن طريق خيارات متنوعة، حيث يمكن لعملاء البنوك المحلية إجراء معاملات فورية تصل قيمتها إلى 20,000 ريال (5،300 دولار أمريكي)، وبالإضافة إلى ذلك يمكن لمستخدمي النظام الاستفادة من خدمة التحويل السريع لإرسال ما يصل إلى 2,500 ريال سعودي (660 دولار أمريكي) باستخدام رقم الهاتف المتحرك أو عنوان البريد الإلكتروني أو رقم التعريف الشخصي أو رقم الحساب المصرفي الدولي. وبحسب تقرير لموقع المونيتور الأمريكي، فإن أداء المملكة جاء أفضل من المتوقع، مقارنة مع بقية دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى. إذ يشير التقرير إلى تراجع الانكماش المتوقع في المملكة خلال العام 2020 من 5.4% في أكتوبر 2020 إلى 3.9%، مع توقعات بتسجيل نمو بنسبة 2.6% خلال العام 2021. ولا شك بأن الخطط الطموحة مثل رؤية المملكة 2030 ستساهم في دفع عجلة النمو الاقتصادي في المنطقة ليكون أكثر قدرة على المنافسة، إلا أن النمو الاقتصادي يعني زيادة الطلب على الخدمات والسلع، ولا بد أن تواكب حلول المدفوعات المتاحة للمستهلكين هذه الزيادة. ووفقًا لتقرير «سانتاندير لأسواق التجارة»، فإن معدلات استخدام الإنترنت وسوق التجارة الإلكترونية في الشرق الأوسط واعدة للغاية، وتلقي الضوء على اتجاه جديد في المملكة. ويشير التقرير إلى أن 64% من السعوديين يقومون بشراء منتج أو خدمة عبر الإنترنت كل شهر، مع توجه 51% من مستخدمي الإنترنت للقيام بعمليات الشراء عبر هواتفهم الذكية، وغالبًا ما يكون هؤلاء المستخدمون من الفئات الأصغر سنًا والأكثر اتصالًا بالإنترنت. ومع الانتشار الواسع لخدمة الإنترنت لدى 86.8% من هذه الأسر، نجد بأن هذا السلوك الاستهلاكي يتأثر بقوة بتقديم طرق دفع آمنة جديدة عبر الإنترنت في السعودية.