الخيانة والفساد وجهان لعمله واحدة، والوطن بحاجة للنماذج الصالحة، والمبادئ والقيم الأخلاقية، إذا فقدت في أي مجتمع يصبح على صفيح ساخن. أكبر الخيانة هي الاعتداء على المال العام والرشوة والخيانة والتآمر على الوطن وولي الأمر لصالح الأعداء لزعزعة أمن الوطن، والأمانة لثقلها تخلت عنها الجبال وحملها الإنسان. تعاني المجتمعات من بعض الظواهر من الناس غير الإنسانية والأخلاقية تسببت في تفكيك المجتمعات، ألا وهي الخيانة بكل مسمياتها التي قضت على القيم الأخلاقية والإنسانية في البعض التي تُعتبر الناظم الأساسي للحياة الإنسانية والعلاقات المجتمعية السائدة. وهنا يكون أيّ خروج عن هذه القواعد أو القيم بمثابة شذوذ غير مقبول. ولعلّ الخيانة بأيّ شكل تجلّت به تُعتبر أحد أهم الشذوذ المرفوض في المجتمع، لِما تُلحقه من تبعات سلبية على من قام بفعلها ومن وقعت عليه سواء كان فرداً أو هيئة أو مجموعة أو وطناً، وهذه هي الخيانة العُظمى كما هو متعارف عليه. فالخيانة سلوك يتمثّل في خرق الثقة الممنوحة للفرد من قبل فرد آخر، أو من قبل مجموعة ينضوي تحت لوائها، عبر تصرفات مُشينة وغير متوّقعة، لكنها مؤلمة بما تُحدثه من صدمة عنيفة تُخلخل العلاقة بشكل عام، وعليه تُصنّف ضمن الآفات الاجتماعية الخطيرة والمُدمّرة. تتجلّى الخيانة بأشكال مُتعدّدة منها خيانة الأهل والأصدقاء، خيانة العمل والزملاء، خيانة الدولة، وخيانة المبادئ والأفكار والمعتقدات، والخيانة الزوجية المدمرة للعلاقة الزوجية والأسرية. أخطر الخيانة هي خيانة الوطن ونقض العهد لمن عاهد ولي الأمر. وكذلك، فإن خيانة ثقة الأهل والأصدقاء، أو خيانة مبادئ وأسرار العمل والزملاء، فجميعها تعمل على خلخلة أواصر هذه العلاقات من خلال تسريب الأسرار الخاصة بأولئك المقرّبين، وأيضاً تدهور مستوى إنتاجية العمل والمهام الموكلة للشخص الذي خان مبادئها وأسرارها عبر الفساد والرشى وغيرها من مصالح شخصية تعلو وتسمو على المصالح العامة، ممّا يعمل على انخفاض أو تدني المردود المادي والصناعي أو التجاري ليس على المستوى الضيّق فقط وإنما على المستوى العام لاقتصاد الدولة والمجتمع. ولكن لا يفوتنا أيضاً أن خيانة المبادئ والمعتقدات هي من أفظع أنواع الخيانة، فكم من مفكّرين وكتاب وسياسين ومثقفين ومثقفات ولأسباب ودوافع ومصالح ذاتية تنكّروا لأفكارهم ومبادئهم التي عشقها وسار عليها الملايين ردحاً من الزمن، ففقدوا الثقة بها وبأصحابها بين عشية وضُحاها ما خلخل الثقة والمفاهيم والقيم، كما نشاهده في المجتمعات التي تدعي أنها تراعي الحقوق والإنسانية وعلى الرغم من كل الجهود المبذولة في البحث عن أسباب الخيانة ودوافعها من قبل بعض علماء الاجتماع والتي تمّ من وجهة نظرهم حصرها بثلاثة عوامل (وراثية، اجتماعية، ومؤثّرات خارجية)، إلاّ أن هذه الجهود لا تزال تقبع في حيّز النظريات العامة لا أكثر، وسواء اتفقنا مع هذا التصنيف أم لا، تبقى الخيانة ظاهرة مرفوضة اجتماعياً وبمختلف المقاييس، لأنها تزعزع الثقة بين الناس. محمد بن أحمد الناشري