بعد مباشرة هيئة الأدب والنشر والترجمة العمل على تنفيذ استراتيجيتها لتطوير قطاعات الأدب والنشر والترجمة في المملكة، يرى الرئيس التنفيذي للهيئة الدكتور محمد حسن علوان بأن هذه الخطوة تمثل انتقالاً من رحلة التأسيس إلى عملية التنفيذ، وهي نقطة البداية للوصول إلى الآفاق والأهداف التي تسعى لها الهيئة، وتحقيق آمال الأدباء والمثقفين والناشرين والمترجمين منها. * أول ما يتبادر إلى الذهن تساؤل بخصوص: ماذا سيتغير في هيئة الأدب والنشر والترجمة بعد هذه الاستراتيجية؟ الهيئة تعمل على ترسيخ العمل المؤسسي المستدام * من المؤكد أن استراتيجية هيئة الأدب والنشر والترجمة تمثل نقطة مفصلية ومحطة انتقالية في مسار عمل الهيئة، باعتبار أنها تأتي بالأهمية بعد قرار مجلس الوزراء في فبراير 2020 بإنشاء هيئة الأدب والنشر والترجمة. ذلك لأن إنشاء الهيئة هو إقرار لوجود الكيان والمنظومة، والاستراتيجية هي المخطط والطريق والطريقة، وبفضلها انتقلت الهيئة من تحديد شكلها إلى تأدية دورها، ومن التعريف بها إلى الشراكة وتفعيل حضورها وصناعة التأثير. نسعى لتمكين ريادة الأدب السعودي * هل للاستراتيجية انعكاس ملموس على واقع الأدباء والناشرين والمترجمين؟ * بالطبع، لأن وجود الهيئة أساساً لم يكن إلا لخدمة جميع المنتسبين لقطاعات الأدب والنشر والترجمة، وتوفير مظلة داعمة لأنشطتهم. إن الاستراتيجية بما تتضمنه من أهداف وخطط وبرامج ستنقل النشاط في هذه القطاعات من طور الاجتهادات الفردية إلى العمل المؤسسي المُنظم الذي سيمنح الجميع فرصاً أكبر وأفضل، وسيعمل على ضمان استمرار وتيرة الإنتاج الأدبي والترجمي بالشكل الذي يضمن تحقيق أهداف الجميع؛ وزارة الثقافة والهيئة والأدباء والناشرين والمترجمين والمستفيدين من مختلف الشرائح. * ما أبرز ملامح الاستراتيجية الخاصة بهيئة الأدب والنشر والترجمة؟ * حددت الاستراتيجية الدور المنوط بالهيئة، والمتمثل في ثلاث نقاط أساسية تتعلق بتهيئة الظروف وتحسين التجربة والجذب للإنتاج والتفاعل، وذلك من خلال: تنظيم القطاعات الثلاث، وتطوير الإمكانات الواقعة ضمن نطاقها، إضافة إلى تحفيز الممارسين ودعمهم من أدباء ومؤلفين وناشرين ومترجمين. ولتحقيق هذا الدور فإنه يتعين على الهيئة وضع اللوائح والمعايير التنظيمية، وبناء البيئة المحفزة للإنتاج، وتوفير قنوات التمويل، وتحفيز القطاع الخاص للاستثمار في التنمية الثقافية، وتمكين القطاع غير الربحي من ممارسة أدوار رئيسة، وتقديم البرامج المهنية لتطوير المواهب وتوظيف التقنيات الحديثة، وغير ذلك من المهام الوظيفية التي حددتها الاستراتيجية. * من الملامح إلى الجوهر.. ما الأسس التي بنيت عليها الاستراتيجية؟ الاستراتيجية محطة انتقالية في مسار عمل الهيئة استلهمنا التجارب العالمية في وضع الاستراتيجية * عملت استراتيجية هيئة الأدب والنشر والترجمة على تحديد مساحة عمل الهيئة وأدوار القطاعات الثلاث، والمطلوب وما يمكن القيام به والعمل على تنفيذه، وذلك من خلال التعريف بكل قطاع على حده وتحديد نطاق العمل الخاص به، وبناء البرامج وتحديد الفئة المستهدفة والشراكات الممكنة والأهداف. وعليه فقد تشكلت المرتكزات الاستراتيجية لمنظومة الأدب والنشر والترجمة والتي تتلخص في ثلاثة عناصر، هي: تنمية قطاعات الأدب والنشر والترجمة، تطوير الكفاءة المالية والتشغيلية، وتطوير كفاءة رأس المال البشري. والتي ستُسهم في تحقيق أهم ثلاثة أهداف استراتيجية، تتمثل في إثراء المحتوى والوصول للمتلقي محلياً وعالمياً، ونشر ثقافة القراءة كممارسة أساسية في اكتساب المعرفة، وتطوير منظومة تنافسية مستدامة. * كيف تم بناء استراتيجية هيئة الأدب والنشر والترجمة، وعلى ماذا استندتم فيها؟ * مرحلة البناء تألفت من جانبين رئيسيين، جانب يخص دراسة الوضع الحالي لقطاعات ونشاطات الأدب والنشر والترجمة، وما هي الممارسات الموجودة وكيف تتحرك دورة العمل، الجانب الآخر هو إلى أين نريد أن نصل وكيف سنصل ولماذا سنفعل ذلك. وعليه فقد استندت صياغة الاستراتيجية على مخرجات دراسة معيارية قمنا بها ودرسنا فيها ست دول ذات ممارسات متميزة في العمل الثقافي المؤسسي بشكل مفصّل وسبع دول بشكل انتقائي للوصول إلى فهم أوسع وأكثر شمولية، كذلك عملنا على مراجعة وتحليل عشرات المستندات والوثائق والإحصائيات المسبقة ذات العلاقة بقطاعات الأدب والنشر والترجمة، كما عقدنا لقاءات عديدة مع أصحاب العلاقة داخلياً وخارجياً، إلى جانب إجراء بحوث كمية ونوعية مع أفراد المجتمع، وذلك للوصول إلى فهم شامل للقطاعات الثلاث والتحديات التي تواجهها والآفاق التي نطمح للوصول لها. * أثناء بناء الاستراتيجية الخاصة بهيئة الأدب والنشر والترجمة، ماذا وجدتم من موارد داعمة وتحديات؟ * من المعروف أن هيئة الأدب والنشر والترجمة لن تبدأ من الصفر، وهي استكمال لكن بشكل احترافي وعبر منظومة تخضع للمعايير والمؤشرات والأهداف لكل النشاط والجهود الحكومية والخاصة والفردية في هذه القطاعات الثقافية الحيوية، وهذا الأمر ساعدنا في اكتشاف مواطن القوة والفرص لاستثمارها كما منحنا إدراكاً أكبر لطبيعة التحديات التي تواجه القطاعات الثلاث. وفيما يتعلق بالفرص الداعمة فقد وجدناها تتركز في عشرة عناصر ثمينة ومهمة: مكانة المملكة عالمياً، الاعتزاز باللغة العربية وأصالتها، عراقة المشهد الأدبي، توفر أسس تمكين البنية التحتية للقطاعات، الشراكة مع القطاعين الخاص والثالث، الجهود القائمة لتعزيز الثقافة في المملكة، الإقبال الكبير على المعروض الثقافي والأدبي، ريادة المملكة في صناعة واستهلاك المحتوى الرقمي، عضوية المملكة في منظمة اليونسكو ممثلة بوزارة الثقافة، ومكانة السعودية في محيطها العربي. وفي المقابل رصدنا عشرة تحديات تتمثل في: تداخل أدوار الجهات الحكومية وقدم الأنظمة، قلة الإنتاج الأدبي خصوصاً في مجال الأجناس الأدبية غير الشائعة وأدب الأطفال واليافعين، محدودية النشر والتوزيع المحلي، عزوف بعض المؤلفين السعوديين وغيرهم عن دور النشر السعودية، ضعف منظومة التدريب والتطوير، غياب دور التعليم في التنمية الثقافية، تدني مستوى التنافسية في القطاعات، عزوف القطاع الخاص عن الاستثمار في قطاعات الأدب والنشر والترجمة، تدني إشراك ودعم مساهمة المنظمات غير الربحية، وضعف انتشار النقد والفلسفة. بالإضافة إلى أنه تبرز أمام الهيئة عدة فرص لعقد شراكات استراتيجية مع الجهات الحكومية والقطاعين الربحي وغير الربحي من أجل تنظيم القطاعات ودعم الممارسين وتطوير الإمكانات، وكذلك فرص للشراكات الدولية لتعزيز التبادل الثقافي وتبادل الخبرات. * هل استفدتم من التجارب العالمية في وضع الاستراتيجية؟ * نعم، فاطلاعنا على التجارب العالمية وتحليل التجارب في بناء مجتمعات ثقافية متقدمة، وجدنا التركيز ينصب بشكل رئيسي على وضع الأنظمة والقوانين، وحماية حقوق أصحاب العلاقة، وتطور التعليم والتدريب على مهارات الكتابة، وزرع حب القراءة منذ الصِغر، وتنمية قدرات الكتّاب والمترجمين، هذا وبالإضافة للتحفيز المادي والمعنوي لخلق بيئة تنافسية للممارسين وجاذبة للقطاعين الخاص والثالث. وهذا ما ستعمل على تحقيقه الهيئة من خلال الاستراتيجية التي حددت أهدافاً وبرامج شاملة تستفيد من التجارب العالمية وتحاكيها، لكنها -في نفس الوقت- مناسبة لهويتنا وتعبر عن خصوصيتنا وتسهم في تعزيز حضورنا. * وضع استراتيجية طويلة المدى لهيئة مسؤولة عن الأدب والنشر والترجمة في الوقت نفسه، ميزة أم تشتيت للجهود، خاصة أننا نتحدث عن ثلاثة قطاعات كل واحد منها يحتاج إلى جهد مستقل؟ القطاعات الثلاثة تحديداً متداخلة وتؤثر وتتأثر ببعضها، ويمكن لكل قطاع أن يكون مظلة للقطاعين الآخرين، فمثلاً الأدب هو نشر وترجمة، الترجمة هي أدب ونشر، النشر هو أدب وترجمة. في الجانب الآخر هي مسارات مستقلة ولكنها متقاربة، تغذي بعضها وتتشارك في العديد من العوامل، وفي رحلة صناعة الاستراتيجية لاحظنا أهمية مراعاة كافة القطاعات، وصنعنا مُثلثاً، لكل جانب منه وجهه الخاص ومع وجود ترابط. لذلك، فإن وجود ثلاثة قطاعات في الهيئة هو ميزة وقوة، وهو ما ساعد أيضاً في تحديد دور الهيئة بشكل ونطاق عملها وتفاعلها مع كل قطاع، وعليه فقد ساهمت الاستراتيجية في التعريف بمفهوم الهيئة والقطاعات، ووضعت رؤيتها شاملة لكل المسارات عبر شعار محدد وجامع هو «ثروة أدبية متجدّدة. صناعة نشر متطوّرة. نشاط ترجمة احترافيّ»، كما حددت رسالتها وقيم العمل في المنظومة، من خلال توزيع الأدوار ومسارات العمل، ما أدى إلى بناء استراتيجية مخصصة ومتجانسة. لتحقيق استراتيجية هيئة الأدب والنشر والترجمة، ما هي المسارات العملية التي أقررتم تنفيذها؟ تم تصميم مسارات تحقق رؤية ورسالة الهيئة وأهدفها الاستراتيجية، وتوفر مظلة جامعة لمجمل النشاطات العملية في القطاعات الثلاث، ففي جانب تنمية قطاعات الأدب والنشر الترجمة، حددنا جملة من المسارات؛ منها العمل على إثراء المحتوى، وتعزيز التبادل الثقافي والمعرفي، ونشر ثقافة القراءة، وتنظيم المعارض وإقامة الفعاليات الثقافية، وتطوير منظومة تنافسية مستدامة، ورفع الكفاءة والتنافسية، وتعزيز التواصل الفعّال مع أصحاب العلاقة، وتطوير خطة تواصل شاملة مع الفئات المستهدفة، إضافة إلى إنشاء بوابة التواصل الرقمية مع أصحاب العلاقة. وكل مسار من هذه المسارات سيتم تنفيذه من خلال أنشطة ومبادرات محددة. أما في جانب تطوير الكفاءة المالية والتشغيلية، فقد حددنا مسارات رئيسية تتمثل في تحقيق أعلى مستوى ممكن من الاستدامة المالية، وتطوير نموذج أعمال لاستحداث وتنويع مصادر الدخل، وتقديم خدمات متميزة وفق أعلى معايير الكفاءة والجودة، وتطوير آلية لمتابعة الأداء وإدارة تنفيذ الاستراتيجية، إلى جانب تطوير وتطبيق اتفاقيات مستوى الخدمة للخدمات المقدمة للمستفيدين. كما سنعمل على توظيف التقنية والابتكار ودعم التحول الرقمي عبر أتمتة الإجراءات والتعاملات وفق برنامج التحول الرقمي واستراتيجية تقنية المعلومات في وزارة الثقافة، وبناء وتفعيل الشراكات مع القطاع الحكومي والربحي وغير الربحي محلياً ودولياً، وتمكين المنظمات غير الربحية "القطاع الثالث"، وبناء منصة رقمية لتسويق فرص التعاون والشراكات والاستثمار، إضافة لاستقطاب الرعايات والمِنح، وتعزيز المشاركات الدولية. في حين أن تطوير كفاءة رأس المال البشري، تضمن مسارات تطوير منظومة استقطاب الكفاءات وتطويرها وتحفيزها، وتطوير خطة تدريبية شاملة للموظفين، وإعداد خطة شاملة للتعاقب الوظيفي وتنمية القيادات، إلى جانب تطوير ثقافة التعلم المؤسسي. كما تشمل المسارات توفير بيئة عمل إبداعية تشجع الكفاءات البشرية وتدعم الإنتاجية، بواسطة بناء وتفعيل إدارة للتواصل الداخلي. والاستراتيجية بهذا التحديد للمسارات وفق هذه الأطر التنظيمية، تهدف لخلق منظومة فعّالة تسير متماهية ومتناغمة في كافة محاورها، لتحقيق المستهدفات النهائية. * هذه البرامج تخص الهيئة على نطاقها الواسع، لكن على ماذا ركزت الاستراتيجية في قطاع الأدب؟ * لتحديد ما ستعمل الهيئة على تقديمه في قطاع الأدب للأدباء السعوديين وللكتاب السعودي، وضعت الاستراتيجية خمسة أهداف، وهي: تعزيز جودة المحتوى الأدبي وتنوعه، وإيجاد بيئة محفزة على الإنتاج الأدبي، إلى جانب دعم أنشطة النقد والفلسفة، دعم أدب الأطفال واليافعين، وتعزيز قيمة الأدب في حياة الفرد. ويمكن تحقيقها من خلال برامج متنوعة منها: معتزلات الكتابة وإقامات الكتّاب، دعم الأجناس الأدبية غير الشائعة، دعم النقد الأدبي والفلسفة، أدب الأطفال واليافعين، دعم مجلات الآداب والفنون. وكل برنامج من هذه البرامج ينطوي على خطة تفصيلية، ومشاريع متفرعة من البرنامج، ونطاق عمل يغطي المملكة بالكامل. * وفي قطاع النشر؟ * بالتوازي مع بقية القطاعات، فإنه وفي سبيل تطوير قطاع النشر وإثرائه وتجويده، حددت الاستراتيجية ستة أهداف رئيسية تتمثل في دعم انتشار الكتاب السعودي، وتطوير معارض الكتاب السعودية والارتقاء بخدماتها، والتوسع في أوعية النشر بما يتواءم مع احتياجات السوق، وتطوير قدرات دور النشر السعودية ورفع تنافسيتها إقليمياً وعالمياً، وزيادة حجم الاستثمار في سوق النشر السعودي، وتنظيم سوق النشر المحلي وتحسين بيئة الأعمال. ويمكن تحقيق ذلك من خلال عدد من البرامج منها: مبادرة الكتاب للجميع، وتطوير النشر الرقمي، وتطوير منظومة الوكيل الأدبي، ومعارض الكتاب، والعمل على تصنيف دور النشر وتحفيزها، ودعم ريادة دور النشر السعودية، وتعزيز التكامل بين الممارسين في منظومة النشر. ولاشك أن قطاع النشر تحديداً يعاني من تحديات اقتصادية تحتاج إلى برامج طويلة المدى لتحقيق الأهداف المطلوبة. * ماذا بخصوص قطاع الترجمة؟ * فيما يخص قطاع الترجمة حددت الاستراتيجية أربعة أهداف هي تطوير قدرات المترجمين السعوديين، وتعزيز التبادل الثقافي والمعرفي مع العالم عن طريق الترجمة، وإثراء المحتوى المعرفي العربي المترجم في مختلف العلوم والتخصصات، وتنظيم سوق الترجمة المحلي وتحسين بيئة الأعمال. وستعمل الهيئة على تحقيق ذلك من خلال دعم المسار المهنيّ للمترجمين السعوديين، وتطوير خدمات الترجمة التجارية، وبرنامج ترجم، وتنسيق الجهود العربية في مجال الترجمة. ونسعى إلى تكون السعودية هي الدولة الرائدة في خدمة اللغة العربية والمحتوى العربي عن طريق الترجمة، وكذلك تقديم المؤلف السعودي إلى العالم، بلغاته المختلفة. * ما النتائج النهائية المرجوة من خلال هذه الاستراتيجية؟ * الرؤية التي صغنا الاستراتيجية على ضوئها تُلخص النتائج التي نرجوها، وهي؛ ثروة أدبية متجددة، صناعة نشر متطورة، نشاط ترجمة احترافي. وسنعمل على أن تساهم الاستراتيجية في إيجاد البيئة المُمكّنة لريادة الأدب السعودي بما يثري إبداع الأديب وجودة المنتج وتجربة المتلقي، ودعم صناعة النشر في المملكة بما يحقق لها الجاذبية الاستثمارية والتنافسية العالمية، وتطوير نشاط الترجمة كماً وكيفاً وفق أعلى المعايير، والاعتماد على الشراكات الفعّالة والكفاءات المؤهلة والتقنيات المبتكرة لترسيخ العمل المؤسسي المستدام أثناء مشاركته في تدشين كتب تيري موجيه د. محمد حسن علوان