لا يوجد منصة من منصات التواصل الاجتماعي يمكن أن تكون الأقرب لتفسير نفسية الأشخاص المستخدمين لها مثل (الواتس آب). كل ما ترسل فيه وتشاركه يكون انعكاسا لما في نفسك بغض النظر عن دوافع المشاركة.. وفعلاً يكون تعرية تامة لمستوى التفكير والوعي والفهم.. هناك ضوابط قد لا تبدو واضحة للبعض بسبب غياب الفلتر الأخلاقي والإنساني فتجدهم يرسلون الغث والسمين بدون تمحيص وسابق تفكير.. وإذا استثنينا النية السيئة وقدمنا حسن الظن.. فهو ليس سوى نوع من الغباء الاجتماعي وفساد الذائقة.. تبدو المشكلة أكثر وضوحاً في القروبات الشخصية.. التي وجدت للتواصل والمحبة وتبادل الأخبار الطيبة لأعضاء المجموعة.. ثم يأتي «مراسل الأخبار» الذي يغرقها بطوفان من أخبار الكوارث والمصائب التي حلت بهذا العالم وكأن البقية يعيشون في الكهوف بعيداً عن معرفته العظيمة فينسى «بشروا ولا تنفروا ويسروا ولاتعسروا» ويجد متعة في بث الذعر والخوف وتهويل المواضيع.. وإن لم يكن مراسل الأخبار فهناك «الآخر حبه» الذي يعتبر وجوده في حياة الآخرين نعمة تستحق الحمد والشكر ليل نهار لأنه «ليس له في أوصاف الناس شبيه» وبأن كل من سحب عليه ولم يقدر عظمة هذه الهبة ليس سوى من فئة الجاحدين الذي ليس فيهم «لا صوف ولا معروف» ثم نغرق في طوفان آخر من الشعر والنثر في تمجيد النفس ووصف الرديئين من الناس بأشنع الأوصاف.. وهناك من يجد في هذه القروبات مرتعاً خصباً لتشوهاته النفسية وأمراض متعلقة بكونه «محور الكون» ومحط الأنظار ومستوطن المؤامرات والحسد والغيرة لما وهبه الله من كمال الحال والجمال وإن كان حقيقة «لا يسوى التالية من الغنم»، وواقع الحال أنه في موضع الشفقة عندما كلف نفسه ما لا تحتمل ولا تطيق من الروعة والكمال.. لا يقتصر الأمر على ما ذكرت.. فهناك من التجاوزات الأخرى ما لا يعد ولا يحصى، فالذي يفصل بين الأخلاق وعدمها بات خطاً رفيعا تتماهى عنده الحدود والضوابط ولا يبصرها إلا ذو بصيرة. فقبل أن تشارك شيئاً قد يبدو تافهاً جداً مثل رسالة «واتس آب» تحسس قلبك.. وتمعن دوافعك جيداً، فقلب المؤمن دليله إلى الخير.