قبل فترة وجيزة فاجأت منصة يوتيوب الشهيرة مستخدميها بعرض مادة إعلانية (باللغة العربية) تحمل إيحاءات جنسية وألفاظاً منحطة وخادشة للحياء. تلك الدعاية التي تبدأ قبل عرض الفيديو الرئيس، لم تحمل تحذيراً مسبقاً، ولم تهتم منصة يوتيوب فيما لو كان من يشاهد هذا المحتوى طفلاً أو مراهقاً أو حتى بالغاً لا يرغب في مشاهدة مثل هذا المحتوى الإعلاني الهابط. ولك أيضاً أن تتخيل بأن تكون وشك أن تعرض فيديو من يوتيوب في محفل عام أو في اجتماع رسمي لتتفاجأ بهذا الإعلان الهابط أمام جمهورك! المؤكد أن القائمين على منصة يوتيوب لا يعون ما تحمله هذه الدعاية من محتوى هابط، وهنا تكمن الخطورة في تسرب مواد قد لا تناسب جميع الأعمار أو الأذواق، أو حتى تدعو إلى الجريمة وتسوق للإرهاب. ومثل هذه الأخطاء الكارثية تحدث لأن المنصة لم تقم بواجبها في المراجعة والمراقبة، ولا يمكن الاحتجاج بالكمية الهائلة من المحتوى الذي يتم ضخه في كل لحظة وصعوبة مراقبته؛ فهذه المنصات التي تربح آلاف المليارات، ليست عاجزة عن استخدام الذكاء الاصطناعي وتوظيف مئات المتخصصين في مراقبة ما يبث من خلالها. وسائل التواصل الاجتماعي الشهيرة تتخبط في مراقبة المحتوى الذي ينشر على منصاتها، ولا نزال نذكر كيف استخدمت التنظيمات الإرهابية هذه المنصات ببراعة للترويج لأيديولوجيتها على تويتر ويوتيوب وفيسبوك بشكل أساسي، ولا نزال أيضاً نتذكر تقاعس هذه المنصات عن معالجة تلك الاختراقات التي أدت إلى التلاعب العقلي بالشباب والأطفال وتجنيد المئات منهم. منصات التواصل الاجتماعي تملك المال وتستقطب أفضل العقول لتطوير أعمالها، لكنها تعاني بشكل كبير من عدم الوضوح في سياسات النشر، وخصوصاً في الوعي بخطورة ما قد يبث منها، كما أنها لا تملك ضوابط واضحة، فهي تحجب بعض المستخدمين بذريعة نشر مواد مضللة، كما فعلت مع حساب الرئيس الأميركي السابق، لكنها تبقي على حسابات شخصيات مشهورة بدعمها للعنف والفوضى. مسألة الرقابة التي تفرضها هذه المنصات لا تتم وفق مبدأ واضح، بل في الغالب تخضع للأيديولوجيا التي يؤمن بها أصحابها، وهذا يضعها أمام العديد من الأسئلة الأخلاقية الكبرى، ومن دون سياسات واضحة ودقيقة يصبح من المحتم مساءلة هذه الشركات في حال إخفاقها واستمرارها في نشر المحتويات المثيرة للجدل، حتى لو تطلب الأمر التلويح بحجبها، فإذا لم تستوعب هذه المنصات خطورة ما قد يُبث من خلالها، فعلى الحكومات أن تتحرك لإجبارها على القيام بواجبها في حماية المتلقي من التلاعب العقلي.