تواصل بعض السلع ارتفاعاً مستمراً لأسعارها بوتيرة تكتسب مزيداً من الزخم، حيث ارتفع مؤشر بلومبرج للسلع الفوريّة للأسبوع الخامس على التوالي وصولاً إلى أعلى مستوياته منذ عام 2011، وازداد الطلب على الاستثمار بفضل عوامل عدّة، من انتعاش النموّ العالمي المدفوع بالتوصّل إلى لقاح وتحديات النقل المعرقلة للإمدادات، ووصولاً إلى المخاوف المعنية بالطقس في مناطق النموّ الرئيسة، ومخاوف التضخّم المتزايدة والتوجّه المتزايد نحو المضاربة. وقال أولي هانسن -رئيس استراتيجية السلع لدى ساكسو بنك-: ارتفعت تداولات جميع السلع الرئيسة خلال الأسبوع الماضي، وعلى رأسها الحديد الخام والأخشاب وبن أرابيكا والذرة. كما ارتفعت أسعار المعادن، وحقق النحاس مستوىً قياسيّاً مرتفعاً، فيما حظي الذهب بدعم الفضة ليتجاوز سعر أونصته 1800 دولار أميركي. وحقق قطاع الطاقة أسوأ نتائجه، حيث كافح النفط الخام لرفع أسعاره، فيما تفاقم انتشار الفيروس في آسيا، ما أدى لانتعاش غير متكافئ في الطلب. وعلى مستوى الاقتصاد الكلي، قدمت عائدات الخزينة الأميركية والدولار مزيداً من الدعم، حيث أصبحت تداولات الدولار أكثر ليونة، واستقرّت العائدات الاسمية، وتلقّت حالة الاستقرار هذه قدراً كبيراً من الاهتمام على ضوء التركيز المتزايد على التضخّم، ما أدى لرفع عائدات التعادل لمدة 10 سنوات إلى أعلى مستوياتها في ثماني سنوات، فيما تراجعت العائدات الحقيقية نحو -1 %. وتتمثل إحدى أكبر المخاوف المعنية بالارتفاع الحالي لأسعار السلع الأساسية العالمية في تأثير ارتفاع تكاليف الغذاء على السكان والاقتصادات الأقل قدرة على تحمل تكاليفها، وفي أبريل شهد مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الغذاء العالمية، والذي يتتبّع أسعار سلّة من 95 سلعة غذائية من حول العالم، ارتفاعاً سنوياً بنسبة تجاوزت 30 %، ولم يرتفع تضخّم المواد الغذائية بمثل هذه السرعة منذ عام 2011، عندما لعب ارتفاع أسعار المواد الغذائية دوراً في اندلاع الربيع العربي، حيث ارتفعت جميع القطاعات لتقفز أسعار الزيوت الغذائية بنسبة 100 %، وتزداد أسعار السكر بنسبة 58 %، فيما ازدادت أسعار الحبوب بنسبة 26 %. وبقيت العقود الآجلة للحبوب في شيكاغو محرّكاً رئيساً للارتفاع المستمر في القطاع الزراعي، ودفعت مخاوف الجفاف في البرازيل، وقوة الطلب من منتجي الأعلاف، إلى دعم سوق الذرة مع إضافة دعم متجدد لأسعار السكر والبن. وشهدت تداولات الذرة والقمح وفول الصويا ارتفاعاً نحو أعلى مستوياتها منذ ثماني سنوات، بينما واصل بن أرابيكا ارتفاعه ليصل إلى أعلى مستوياته في أربع سنوات فوق 1.5 دولار أميركي للرطل. وحقق النحاس مستويات قياسية فوق 10,300 دولار للطن في بورصة لندن للمعادن، و4.72 دولارات للرطل في نيويورك. ويتصدّر النحاس حركة الارتفاع التي توجّه المواد الخام حالياً نحو مستويات قياسية منذ عدة سنوات. وبوصفه جزءاً أساسياً من عملية التحوّل الأخضر عبر طرح ملايين السيارات التي تعمل على الكهرباء على مدار السنوات القادمة، ارتفعت أسعار النحاس أكثر بفضل مزيج من الطلب المادي والورقي من مستثمرين باحثين عن تحوّطات من التضخّم في الأسواق ذات التوقعات الأساسية القوية. وبحسب جلينكور وترافيجورا -الشركتان العملاقتان في مجال السلع المادية- يمكن أن تدفع هذه التوقعات نحو الحاجة لارتفاع الأسعار بنسبة 50 % لتزويد شركات التعدين بالمحفزات الاقتصادية لزيادة البحث عن إمدادات إضافية. وتخلّف كل من خام برنت وخام غرب تكساس الوسيط عن ركب الزخم الذي شهدته المعادن والزراعة، وعلى الرغم من الدعوات المتزايدة لرفع أسعار برميل خام برنت إلى أكثر من 70 دولارا، اعتمدت السوق بشكل معقول منهجية الانتظار والترقّب. وقبل الانجراف نحو الأسفل، اقتربت أسعار خام برنت من 70 دولارا للبرميل، وهو مستوى تخطّته لفترة وجيزة منذ شهرين قبل المعاناة من تصحيح بنسبة 15 %. وبدعم فعلي من الطلب على الاستثمار، يزداد تركيز السوق على إعادة فتح أسواق أوروبا والولاياتالمتحدة الأميركية، ما أدى لانتعاش قوي في الطلب على الوقود. وقد يتعيّن على المضاربين على ارتفاع أسعار النفط التحلّي بالصبر نظراً لزيادات الإنتاج المستمرة من أوبك بلس، واحتمال تجديد الاتفاق النووي الإيراني ما سيؤدي إلى زيادة الإنتاج، إلى جانب المخاطر الحالية للطلب في أجزاء آسيا المتضرّرة بالفيروس. ومنذ أواخر مارس، شهد خام برنت تداولات ضمن توجه صعودي واسع النطاق بقيمة 4 دولارات، ويتراوح حالياً بين 66.50 و70.50 دولارا أميركيا. وبعد إخفاقه في عدّة مناسبات خلال الأسبوعين الماضيين، نجح الذهب أخيراً في شن هجوم قويّ كفاية ليتخطى عتبة 1800 دولار أميركي. وفيما وفّر تراجع قوّة الدولار وانخفاض العائدات الحقيقية في الولاياتالمتحدة الأميركية الرياح المواتية الأساسية، احتاج المعدن الأصفر لدعم الفضة التي ازداد الطلب عليها وتحولت لإحدى أفضل السلع أداءً هذا الأسبوع. وعلى مدار الشهر الماضي، حصلت الفضة على دعم نسبي أكبر من الذهب بفضل الارتفاع المستمرّ لأسعار المعادن الصناعية. ويمكن ملاحظة ذلك عبر النسبة بين أسعار الذهب إلى الفضة، والتي بقيت تنخفض منذ أواخر مارس. ويجري تداول الفضة حالياً ضمن قناة متصاعدة، وبعد وصولها إلى حدّها الأعلى عند 27.55 دولارا، قد تحتاج لفترة من توحيد الأسعار قبل اتخاذ أي محاولة صعودية جديدة نحو أعلى مستوى في عام 2021 عند 30 دولارا أميركيا. وليواصل الذهب ارتفاعه، ينبغي عليه أولاً التأسيس لمستوى دعم فوق 1795 دولارا، قبل متابعة توجهه على المدى البعيد بعد مراكز التداول القصيرة. ويتمثل المستوى التالي من الفائدة الصعودية عند 1851 دولارا، وهو مستوى يتفق مع المتوسط المتحرك على مدى 200 يوم وارتداد عمليات البيع بنسبة 61.8 % من يناير إلى مارس.