تشهد العلاقات السعودية الباكستانية تطوراً مستمراً منذ أكثر من 70 عاماً، علاقات تاريخية وثيقة متينة رائدة على مستوى العالم الإسلامي، تطورت عبرها العلاقات إلى مستوى "الشراكة الاستراتيجية" حرصاً من قيادتي البلدين على دعم وتعزيز علاقتهما على جميع الصعد السياسية، العسكرية والأمنية، والاجتماعية، والتنموية بما يخدم مصالح الشعبين الشقيقين، وما يميز العلاقة التفاهم والتقارب وتكامل الأدوار. وحول ذلك قال رئيس مجلس علماء باكستان والممثل الخاص لرئيس الوزراء الباكستاني للوئام الديني والشرق الأوسط الشيخ طاهر محمود أشرفي ل"الرياض" بأن زيارة رئيس وزراء جمهورية باكستان الإسلامية عمران خان للمملكة تؤكد متانة العلاقات بين البلدين الشقيقين، فهي علاقة أخوية متجذرة ضاربة في أعماق التاريخ، ومبنية على المبادئ والقيم والتضامن الإسلامي والتعاون المحقق لمصالح البلدين والقيادتين والشعبين الشقيقين، وأكد بأن موقف الحكومة الباكستانية تجاه العلاقة مع المملكة موقف ثابت راسخ لا ولم ولن يتغير على الإطلاق، خاصة أن السعودية بالنسبة للجميع دولة فريدة اختصها الله تعالى بميزات خاصة لكونها بلاد الحرمين الشريفين، ولاشك بأن علاقتنا مع المملكة مهمة للغاية لا تحتاج للشرح والتفسير والتأويل، وموقفنا من السعودية وقيادتها واضح كوضوح الشمس ولا مجال للتشكيك بعمق العلاقة بين البلدين الشقيقين، والكل يعلم بأن القيادة السعودية والباكستانية تستهدفان في المقام الأول تعزيز مكانة البلدين، وخدمة الإسلام، والدفاع عن قضايا المسلمين وحماية مصالحهم وحقوقهم وأراضيهم، وحرصت قيادتا البلدين الشقيقين في باكستان والسعودية لأكثر من سبعة عقود على تعزيز العلاقات، والتزام الطرفين باعتدال نهجهما السياسي، وتعاونهما في المحافل الدولية، وتابع أشرفي بأن زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز التاريخية لباكستان عندما كان ولياً للعهد في عام 2014م عكست حرص قيادة المملكة على مواصلة تعزيز التعاون في مختلف المجالات، حيث تخلل الزيارة توقيع عدد من الاتفاقيات لتمويل مشاريع تنموية في باكستان، وأضاف بأن الزيارات المتبادلة بين قيادتي البلدين أحد العوامل المهمة التي أسهمت في تعزيز العلاقات الثنائية، وتحقيق المصالح المشتركة للبلدين على مدى العقود الماضية، وقد أسهمت الزيارة الأخيرة لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع في فبراير "2019 " بتدشين مرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين، وذلك من خلال الإعلان عن إنشاء مجلس التنسيق الأعلى السعودي – الباكستاني الذي سيكون دوره محورياً في تطوير التعاون الثنائي والارتقاء به إلى آفاق أرحب، وقد شهدت الزيارة احتفال كبير على مستوى عالٍ بقدوم ولي العهد السعودي في قاعدة جوية قرب إسلام أباد ب21 طلقة نارية تحية له، ولقي ولي العهد حفاوة كبيرة من رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان وقائد الجيش، وفُرش له السجاد الأحمر في استقبال أسطوري وصل إلى حد تعطيل المصالح الحكومية، وازدانت الشوارع والميادين بالصور وكأن من زارها مرشح لرئاسة دولتها حسب ما ذكره رئيس الوزراء الباكستاني، في حين أن الزيارة وغيرها من مظاهر الحفاوة التي شملت تولي رئيس الوزراء بنفسه قيادة السيارة التي أقلت الأمير محمد بن سلمان من المطار إلى مكان استقباله، وقلد الرئيس الباكستاني عارف علوي الأمير محمد بن سلمان خلال الزيارة "نيشان.. باكستان "وهو أرفع وسام مدني في البلاد، لتكتسب الزيارة في إطار جولة ولي العهد الآسيوية أهمية تاريخية واستراتيجية كبرى، كون الزيارة تعزّز التحالف القائم بين الرياض وإسلام آباد على المستوى الدولي في مواجهة التهديدات الإقليمية، حيث وضعت هذه الزيارة أسس مرحلة جديدة في العلاقات بين البلدين في مختلف المجالات، وقدمت دعما سياسياً كبيرا لإسلام آباد في مواجهة جارتها اللدود إيران، فضلا عن الوقوف في وجه التمدد التركي في منطقة الشرق الأوسط، وأشار أشرفي بأن المملكة تحتضن جالية باكستانية كبيرة تقدر بحوالي مليوني مقيم، وهي محل اهتمام قيادة وشعب المملكة، ويحرص الجميع على رعايتهم وتقدير جهودهم وإسهاماتهم في شتى المجالات الاقتصادية والتنموية، وشدد على أن الدراسات تؤكد بأن "95%" من الشعب الباكستاني يفضلون السعودية، ولا ينسى الجميع بأن أول زيارة لرئيس وزراء باكستان عمران خان كانت للمملكة بعد فوزه في الانتخابات البرلمانية عام "2018م"، كما أنه زارها أربع زيارات في عام "2019م"، وهذا ما يؤكد على اهتمامه بتعزيز العلاقات مع المملكة وقيادتها، ولذلك تأتي الزيارة الحالية استمراراً لنهج التشاور بين القيادتين حول القضايا الإقليمية والدولية لتعزيز العلاقات التاريخية الوطيدة القائمة بين البلدين والشعبين الشقيقين، مؤكداً بأن القيادة السعودية تحظى بتقدير كبير لدى جميع الأوساط السياسة الرسمية والحزبية والإسلامية والشعبية الباكستانية، انطلاقاً من الروابط الإسلامية والأسس المتينة للعلاقات بين البلدين والشعبين الشقيقين على المستويين الثنائي والإسلامي، وباعتبار المملكة من الدول الرائدة للعمل الإسلامي المشترك، ولدعمها المستمر لجمهورية باكستان منذ استقلالها إلى يومنا هذا، وما تقدمه من خدمات متكاملة لقاصدي وزوار الحرمين الشريفين والمشروعات الكبيرة في المشاعر المقدسة، ولا شك بأن القيادتين تحرصان على تعزيز التنسيق والتعاون والتكامل الاستراتيجي في جميع المجالات، ولذلك يمثل أعمال مجلس التنسيق الأعلى السعودي - الباكستاني نقطة انطلاق في مسيرة العلاقات السعودية الباكستانية، ويعكس المجلس حرص القيادتين على مأسسة العلاقات وتأطيرها، ونقلها إلى آفاق أرحب في جميع المجالات، وإدخال المبادرات السياسية والاقتصادية والاستثمارية والأمنية والعسكرية في إطار التعاون التكاملي الاستراتيجي، بما ينسجم مع تطلع البلدين إلى بناء شراكة استراتيجية طويلة الأمد، خاصة بأن الفرص الاستثمارية التي تتوفر للقطاع الخاص بين البلدين فرص استثمارية وتجارية هائلة في مختلف القطاعات، من ضمنها قطاع التعدين والبتروكيماويات والغذاء والدواء وغيرها من القطاعات، وهو ما يؤكد كذلك حرص المملكة على إزالة معوقات تنمية التبادل التجاري بين البلدين، وتدعم جهود تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية والسياحية، وتعزيز فرص الشراكة في مختلف المجالات، بما يتناسب مع حجم الدولتين ومكانتيهما الإقليمية والدولية، وإمكاناتهما الكبيرة، موضحاً أشرفي بأن البعد الإسلامي من أساس العلاقات بين البلدين والشعبين الشقيقين، فكلا الدولتين الشقيقتين يحرصان على وحدة صف العالم الإسلامي ومواجهة التحديات المشتركة، فلذلك المملكة وباكستان بينهما اهتمام كبير خاصة بأن المملكة تهتم بتنمية وازدهار باكستان، فقد قدم الصندوق السعودي للتنمية العديد من المساعدات التنموية، منها تقديم "20" قرضاً تنموياً للمساهمة في تمويل تنفيذ "17" مشروعاً تنموياً في قطاعات الطاقة والسدود والمياه والصرف الصحي والنقل والبنية التحتية بقيمة" 3.5 "مليار ريال، وتقديم عمليات تمويل وضمان صادرات بقيمة" 17.6 "مليوناً، وتمويل دعم استيراد باكستان مشتقات نفطية سعودية بقيمة "270" مليوناً، وتخصيص ثلاث منح بقيمة "1.250 "ملياراً لتمويل مشروعات إعادة الإعمار وتأهيل المناطق المتضررة من الزلازل، إلى جانب الدعم الإضافي المستمر لباكستان عن طريق مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية - لمواجهة الآثار المدمرة للزلازل، إضافة إلى أنه مع بداية شهر رمضان الجاري دشن مركز الملك سلمان مشروع توزيع السلال الغذائية الرمضانية في باكستان، حيث شمل المشروع توزيع "20،700" سلة غذائية تزن "850" طناً، وتحوي السلة الواحدة على المواد الغذائية الأساسية التي تكفي الأسرة طيلة أيام الشهر الفضيل، ويبلغ عدد المستفيدين" 20,700 "أسرة محتاجة بواقع " 124,200 " فرد، وسيشمل التوزيع 10 مناطق، فدائماً وقوف المملكة مع باكستان نابع من القلب، ولا يخفى أن المملكة سباقة بالخير، وتجد مؤسساتها الإغاثية دائماً في طليعة من يقفون إلى جانب الشعب الباكستاني في كل الأزمات والأوقات الصعبة، ولذلك عندما نقول بأن الدفاع عن المملكة جزء لا يتجزأ من دفاعنا عن باكستان، لأن من يعترض المملكة يعترض باكستان، وكذلك من يعترض باكستان يعترض المملكة، ونوه أشرفي إلى أن رؤية المملكة "2030" تحظى بتقدير كبير بين الأوساط الباكستانية، باعتبارها نقلة نوعية في التفكير السياسي السعودي الناضج، وتعكس منهج الإسلام الوسطي وتكرس قيم التسامح والتعايش السلمي، وتوفر الفرص والممكنات للبلدين الدخول في شراكات وتحالفات استثمارية في إطار مبادرات الرؤية، مشيراً إلى دعم رئيس وزراء باكستان لمبادرات "السعودية الخضراء" و"الشرق الأوسط الأخضر" حظى بتقدير قيادة وشعب المملكة، كما يؤكد على حيوية العلاقات بين البلدين، وتجدد آفاق التعاون المشترك لمواجهة التحديات المعاصرة كقضايا المناخ، وذكر أشرفي بأن تعاون المملكة وباكستان في المجال العسكري كبير ومشترك، وما تشهده بين الحين والآخر تمارين ومناورات عسكرية مشتركة امتدادًا لخطط وبرامج قواتهما المسلحة التدريبية المعدة مسبقاً لتطوير المهارات القتالية لضباط وأفراد القوات المسلحة بين البلدين، ورفع مستوى الجاهزية القتالية، وتعزيز التعاون الإقليمي بين البلدين، فتعتبر باكستان عضواً في التحالف العسكري والإسلامي لمكافحة الإرهاب، والذي قامت بتأسيسه المملكة لمكافحة التطرف والإرهاب، ودعم قيم الوسطية والاعتدال على مستوى العالم الإسلامي، لافتاً بأن الجانب الثقافي بين الشعبين الشقيقين رائداً على مر التاريخ، فالمملكة شاركت باكستان في كثير من المشاريع الدينية والثقافية والتربوية، وهي مساهم رئيس في بناء المساجد والمدارس، إضافة إلى أن المملكة سنوياً تقدم منح دراسية للطلبة الباكستانيين، وقد منحت المملكة قبل عامين "50" منحة دراسية لطلبة من باكستان للدراسة في جامعات سعودية، كما يتلقى طلاب سعوديين دراستهم في جامعات باكستانية، مما نجح هذا الأمر في توطيد العلاقات الثقافية والتعليمية والتواصل الحضاري بين الشعبين الشقيقين.