تعتبر الأسرة من أهم المؤسسات الاجتماعية التي أنشأها الإنسان لتنظيم حياته وهي الأساس الذي يقدم الفرد لجميع مؤسسات المجتمع ونظمه الاجتماعية فهي التي تضع البذور الأولى لشخصيته التي تستمر معه طوال عمره.. كما تلعب دوراً بنيوياً وحراكاً تربوياً في الضبط الاجتماعي من خلال وظائفها الحيوية في التنشئة الاجتماعية.. سواء التنشئة النفسية أو التنشئة الأخلاقية أو التنشئة العقلية أو التنشئة الدينية أوالتنشئة الثقافية، ويشير علماء الاجتماع أن (الأسرة) هي الركيزة الأساسية والمؤسسة الأولى التي تقوم بمهمة التنشئة الاجتماعية وعملياتها البنائية والوظيفية. ولهذا فقد احتلت الأسرة مكانة بارزة في المجتمعات البشرية بشكل عام، حيث إنها تمارس العديد من الوظائف الأساسية التي تساهم في حفظ المجتمع الإنساني واستمراره، وتكتسب الأسرة أهميتها ومكانتها في البناء الاجتماعي كونها أحد الأنظمة الاجتماعية المهمة التي يعتمد عليها المجتمع (النسق العام) كثيراً في رعاية أفراده منذ ولادتهم وتربيتهم وتلقيهم ثقافة المجتمع وقيمه الأصيلة، ولذلك فإن العلاقة بين الأسرة والمجتمع علاقة متينة فيها الكثير من الاعتماد المتبادل ولا يمكن أن يستغني أحدهما عن الآخر، ولأن الأسرة حظيت باهتمامات علماء الاجتماع فقد ظهر فرع (علم اجتماع الأسرة) كأحد فروع علم الاجتماع العام الذي يدرس مظاهر التغير البنائي والوظيفي للتركيبة الأسرية ومشكلاتها المعاصرة. ولعل من المفاهيم الاكثر تأثيراً في تحقيق الاستقرار الأسري مفهوم (المرونة الأسرية) كصمام أمان يحد من الكثير من المشكلات الاجتماعية والمثالب النفسية للأسرة، فقد حظى باهتمام بعض علماء الاجتماع الأسري والنفسي، ودراسة هذا الاتجاه وتفسيره في إطاره النظري.. (فالمرونة) تعني العمل على ضبط التوازن والسيطرة وتحقيق التضامن والتعاون والاتصال العاطفي بدرجة عالية داخل الاسرة وتحقيق حياة آمنة لأفرادها، وتعمل على موازنة الاستقرار مقابل التغير الحاصل في النظام الأسري ومواجهة تحدياته وتجلياته.. وفي هذا السياق يقول العالم (ديفيد أولسون) في أنموذجه النظري أن التواصل والتماسك يمكن أن يحدث بين أفراد الأسرة عندما يتمتع النظام الأسري بشيء من (المرونة) في القيادة، أي يبتعد قائد الأسرة عن التزمت بالرأي، واتخاذ القرارات ال حادية دون مشاركة أفراد الأسرة لأن الإقصائية، والتمسك بالرأي، والانغلاق في الفهم.. يشكل ضغطاً كبيراً على أفراد الأسرة ويوّلد بالتالي ضغوطاً نفسيةً ومشاكل أسرية، وعللاً كثيرة تهدد استقرار الأسرة. كما فسر الأب الروحي لنظرية التحليل النفسي (سيجموند فرويد) المرونة بين أفراد الأسرة على أساس وجود الروابط الوجدانية بين أفرادها، مشيراً أنه من الممكن أن تكون هناك مرونة أسرية إذا كانت اهتمامات أو حاجات أفرادها مشتركة، فالطفل الذي قد اشبعت حاجاته في طفولته بشكل جيد فإن شخصيته ستكون عرضة للتفاؤل وتصبح سوية مستقبلاً، لأن المرونة بين أعضاء الأسرة تمثل الهدف المشترك الذي حل لدى أعضائها محل المُثل العليا والذي يتمسك به الأعضاء جميعاً وينتج عن ذلك تحول الاتجاهات الانفعالية من الأسرة إلى العلاقات الاجتماعية التي يمثلها المجتمع. ومن هنا تأتي أهمية (المرونة الأسرية) في واقعنا المعاصر في ترسيخ روح العلاقات العائلية المرنة والمشاركة في اتخاذ القرارات التي تهم الأسرة في أجواء حوارية شورية تعّبر عن الرأي وقبول الآخر داخل البناء الأسري.. يمكن من خلاله إيجاد الحلول المناسبة لأي مشكلة أو أزمة تواجه الأسرة..!! بعيداً عن لغة التسّلط والتفرد في الرأي، وممارسة سياسة التهميش الأسري الذي لا يجلب إلا مزيداً من الخلافات الزوجية والصراعات الأسرية، والأورام العاطفية التي تهدد استقرار وتماسك أهم (نواة) في المجتمع الإنساني. * باحث اجتماعي