على الرغم من حالة الغموض الاقتصادي الذي ساد طيلة العام الماضي، إلا أن المملكة العربية السعودية حققت تقدماً كبيراً في رحلتها للتحول الرقمي، في إطار سعيها لتسخير التقنية في مواجهة الجائحة وتمكين مواطنيها من استمرار حياتهم اليومية وتصريف أعمالهم، ولا يختلف هذا العام عن سابقه، حيث تزداد أهمية التقنية في دفع عجلة التعافي الاقتصادي وتسريع أجندة التحول الرقمي في المنطقة. وفي إطار رؤية 2030 الطموحة، تسعى المملكة للتحول مركزا عالميا منافسا في مجال تقنية المعلومات والاتصالات بفضل التقنيات الحديثة ومجتمع المعلومات القوي. وحسب شركة البيانات الدولية، فمن المقرر أن يصل إجمالي الإنفاق على تقنية المعلومات والاتصالات في المملكة هذا العام إلى 32,9 مليار دولار، بزيادة قدرها 1.5 % عن العام الماضي، وأن يزداد الإنفاق على تقنية المعلومات (بما في ذلك الأجهزة المحمولة ووسائل التخزين والعتاد والأنظمة والبرامج) بنسبة 4.2 % على أساس سنوي، على أن تنفق القطاعات الحكومية والمالية والاتصالات أكثر من 3.6 مليارات دولار على تقنية المعلومات في 2021. ويقول محمد طلعت -نائب رئيس شركة دِل تكنولوجيز في السعودية وعدد من دول الشرق الأوسط- إنه ومع مضي المملكة قدماً في جهودها لتنويع الاقتصاد وتحوّله الرقمي، دعونا نلقي نظرة على التحولات الرئيسة التي يُتوقع أن تدفع عجلة نمو قطاع تقنية المعلومات والاتصالات في المملكة خلال العام المقبل. السحابات المتعددة سوف تصبح "السحابة" التي تشمل السحابات المتعددة العامة والخاصة والطرفية، الطريقة المعتادة لممارسة الأعمال وتحديد مدى الخبرة في مجال تقنية المعلومات، فلقد أصبح التعاون ضمن نطاق السحابة مرتكزاً أساسياً في العمل عن بُعد، لأنه يوفر للمؤسسات المرونة وسهولة الوصول وقابلية التوسع، ولعبت السحابة دوراً أساسياً في القطاعين العام والخاص في المملكة، مما حقّق نظام تعاون سلس قائم على السحابة، ساهم في تيسير استمرارية الأعمال، بالإضافة إلى ذلك، فإن العمليات المؤتمتة من خلال السحابة وإمكانية خفض الاستثمارات المالية تعود بالفائدة على الشركات الصغيرة والمتوسطة بشكل خاص، مما يساعد على زيادة تحفيز المبتكرين. ويقوم مديرو المعلوماتية التنفيذيون في المملكة بنشر السحابة في إطار تنفيذ خططهم الرقمية لهذا العام، لأن العمل عن بعد وُجد كي يبقى، كما أن تشجيع تبني السحابة على نطاق واسع يُسرّع عملية التحول الرقمي في المملكة. وكانت المملكة في طليعة الدول التي تبنت إنترنت الأشياء في المنطقة، ويُتوقع أن يشهد سوق إنترنت الأشياء نمواً كبيراً في العقد المقبل، وتحتل الرعاية الصحية والصناعات التحويلية موقعاً متقدماً في التحول الرقمي في المملكة، ومن المتوقع أن ينمو قطاع إنترنت الأشياء في الصناعات التحويلية بمعدل نمو سنوي مركب يصل إلى 27 % بحلول عام 2025. ولأن هذه القطاعات تُعدّ المحرك الرئيس للاقتصاد السعودي، فإن إنترنت الأشياء سوف يستمر في لعب دور حيوي في تحقيق رؤية السعودية 2030. وإلى جانب ذلك، تتطلع المؤسسات في جميع القطاعات الآن إلى التقنيات الطرفية كوسيلة لتحسين المرونة وتعزيز تجارب العملاء، وذلك عبر زيادة تبني تقنيات الجيل الخامس وانتشار الأجهزة المتصلة، وتوفّر القدرة على تحليل البيانات والعمل على السحابة الطرفية، ميزة تنافسية لمن يتبنى ذلك، كما تفتح الحساسات المتصلة والذكية المدعومة من السحابة الطرفية المجال لإمكانات ورؤى جديدة في جميع القطاعات؛ من الرعاية الصحية والتعليم إلى النفط والغاز. ومن المتوقع أن تصبح تطبيقات الذكاء الاصطناعي مساهماً رئيساً في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة، حيث من المقرّر أن تستثمر 20 مليار دولار في قطاع التقنية بحلول عام 2030، وبعد أن كشفت المملكة مؤخراً عن الاستراتيجية الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي، فإنها تعمل على تسريع تنفيذ مشروعات الذكاء الاصطناعي على جميع الصعد، مما يجعلها مركزاً عالمياً للتقنية. إن هذه الاستراتيجية التي تقودها الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا)، تهدف إلى جعل الذكاء الاصطناعي قوة دافعة لتقدم قطاعات رئيسة عديدة في المملكة، ومن المتوقع أن تتبنى عدة قطاعات في المملكة؛ من الرعاية الصحية إلى الصناعات التحويلية، مستوى معيناً من الذكاء الاصطناعي من أجل زيادة الكفاءة والأتمتة، في إطار تشجيع النمو باتجاه احتياجات السوق في المستقبل. وقد قطعت المملكة شوطاً طويلاً في دفع عملية الشمول الرقمي لمواطنيها، فالبلاد تتمتع بالفعل بمعدل عالٍ لانتشار الهواتف المحمولة والإنترنت، وبفضل استثمارات المملكة المستمرة لمحو الأمية الرقمية وتحسين المهارات الرقمية لمواطنيها، فإنها تساعد في إعداد قوة عاملة مهيأة للمستقبل. وقد قامت بتسهيل تنمية المعرفة والمهارات الرقمية الجديدة، بدءاً من مستوى تحسين التعليم الرقمي وصولاً إلى زيادة فرص العمل عن بعد للنساء. مع توالي الأيام في مجرى عام 2021، تبرز التقنيات التحويلية كمحرك رئيسي للتقدم في سياق سعي البلاد الحثيث لتحقيق أهداف رؤية المملكة. إن تبني هذه التقنيات ودفع عجلة الشمول الرقمي الذي تشجعه الحكومة، سيستمر في تقديم حلول فعالة تعود بفوائد مجزية على قطاع الأعمال والمواطنين واقتصاد المملكة استعداداً للمستقبل الرقمي.