طرزان تلك الشخصية التي صادقت الغابة وألِفَت البدائية واستدلّت على وجودها بها، نشأنا عليها بلباس بدائي وعلاقة مثيرة بينها وبين الطبيعة وعشنا معها طفولة التلفزيون وحكايات الألفة بين الحيوانات -على اختلاف توحّشها- وبين الإنسان هذه الشخصية التي بدت لنا أحياناً مساحة من الفنتازيا دخلت على مساحة إدهاشنا من بوّابة القصص في الأدب الغربي.. لكنها لم تكن لولا ذلك المسكوت عنه فينا حين نبادر فنوننا، فطرزان هو ذاته حي بن يقظان الذي لم يكن يومًا إلا واحدًا من أبطال الروايات العربية الأولى! لم يعرف العرب الرواية إلا في العصر الحديث.. لكنه تسلّل إلينا من تحت حطام التاريخ ومن بين الأسلاك الشائكة التي أحاطت بفلسفتنا وأدمت جسدها لقرونٍ عدة ليعيدَ لنا سيرة الريادة في الفن ويحاكم تطرّفنا أحياناً تجاه فنوننا.. تشرّد تخلّقه في حضن تابوت واستعاد حياته من ظبية تبحث عن ابنها الذي فقدته فسمعت صوته على هيئة بكاء طفل (حي يقظان) أرضعته وحضنته حتى ماتت عنه، مرّت حياة هذا الحي بسبع مراحل، أما الأولى فهي إرضاع الظبية له وحضانتها ورعايتها له حتى جيل سبع سنوات. ثم بعد ذلك وفاة الظبية وتشريحها من قبل حي لمعرفة سبب الوفاة، فتكونت رؤاه ومعارفه عن طريق الحواس والتجربة. أما المرحلة الثالثة فكانت في اكتشاف النار حيث الدفء الوجودي في حين جاءت مرحلته الرابعة في تصفحه لجميع الأجسام التي كانت موجودة حوله، فاكتشف تشابه الكائنات في المادة واختلافها في الصور. لكن المرحلة الخامسة جاءت أكثر نضجاً ووعياً حينما اكتشف الفضاء فتساءل عن مصير الشمس التي تغادره لتعود إليه أكثر وهجاً.. عند بلوغه الخامسة والثلاثين من عمره، بدأ حي بن يقظان مرحلته السادسة على شكل استنتاج بعد تفكير، فتوصل إلى أن النفس منفصلة عن الجسد وفي التوق إلى الموجِد واجب الوجود. وأخيرا، يصر حي بن يقظان، في المرحلة السابعة على أن سعادته تكون في ديمومة المشاهدة لهذا الموجِد الواجب الوجود ورغبته في البقاء داخل حياة رسمها هو لنفسه.. هكذا كان حي بن يقظان حتى كأننا نراه اليوم في جزيرة النسيان يستلهم الوجود ويتفرّق عقله على فلاسفة عدة بدءا بابن سيناء في سجنه ثم أعاد بناء رفوف ذاكرته المعرفية شهاب الدين السهروردي.. لكنه ذاع وانتشر على يد ابن الطفيل.. ومنها انتقل إلى الآداب الغربية بعد أن ضيّعناه صغيرا وحمّلناه عُقَدنا كبيراً..!