تستحضرني هذه الأيام مقولة أطلقها أ. يوسف الكويليت قبل خمسين عاماً وكان سكرتيراً لنادي الهلال في مقابلة أجراها معه أ. عثمان العمير وكان وقتها محرراً رياضياً لجريدة الجزيرة. المقولة التي كانت عنواناً للمقابلة: (الهلال قضية.. إن فاز فهو قضية.. وإن تعادل فهو قضية.. وإن خسر فهو قضية). هذه المقولة لازالت ثابتة وتزداد رسوخاً مع الأيام! فالهلال فعلاً يشغل محبيه وغيرهم بمتابعته ويشغلهم بالحديث عنه.. وما يحدث للهلال هذه الأيام ومنذ فوزه بالثلاثية يؤكد ذلك وهو امتداد لكل موسم. تصدر الهلال في البداية فانشغلوا به وتراجع الآن ولم ينشغلوا عنه، بل إن هناك من انشغل به عن ناديه الذي هو بأمسّ الحاجة إليه! هذه مقدمة طالت لأن الكلمات تتداعى عند الحديث عن الهلال. وقبل الدخول في صلب الموضوع علينا أن ندرك: (لو دامت لغيرك ما وصلت إليك) وأن (دوام الحال من المحال) وفي الرياضة وكرة القدم لا يمكن للفرد أو الفريق أن ينتصر دائماً. لست وحدك في الميدان، فأنت تصيب وتخطئ وهناك من يعمل مثلك وربما أفضل منك. التعود على التفوق والانتصار مشكلة يعاني منها الأفراد والجماعات وبقدر ماكان هذا إيجابياً إلا أنه في بعض الأحيان يؤثر على منهجية العمل والقدرة على التركيز فيه. وما حدث للهلال يدور في ذات الإطار لكنه ليس عادياً هذه المرة فهو لم يحدث له عبر تاريخه الطويل. وكل يدلي بدلوه ويتحدث ويناقش. هناك من يجمع الحطب وهناك من يصب الزيت وهناك من يحاول إخماد النار وكل في فلك يسبحون ومن الطبيعي أن يتأثر الفريق بهذا كله ويفقد التركيز ما لم تكن هناك قدرة على احتوائه وإبعاده عن النار. صحيح أن الهلال تعرض لأخطاء تحكيمية في مباريات مهمة ومفصلية أثرت عليه لكن لا ننسى أن آخرين تعرضوا أيضاً وإن كان البعض يرى أن الهلال الأكثر فإن التركيز على ذلك هو تكريس لنظرية المؤامرة وهو مصطلح لا يوجد في قاموس الهلال ويجب أن لا يوجد فيه! الهلال إذا كان بعافيته وفي يومه ينتصر على كل الظروف وهذا معروف عنه وإن خسر مباراة أو مباراتين فهو لا يخسر أو يبتعد عن الفوز بهذا الكم كما حدث هذا الموسم. فهل هو يدفع ثمن فوزه بالثلاثية في سابقة لم تحدث من قبل ويصعب حدوثها من بعد؟ لنطرح سؤالاً مهماً ربما تتجلى بعض الحقيقة بين سطوره! لماذا فاز الهلال بالثلاثية وتصدر في بداية الدوري ثم خسر السوبر وتراجع؟! بنفس المجموعة من اللاعبين والجهاز الفني والإداري والإدارة! الإدارة التي تعمل بصمت هل في صمتها حكمة؟ والمدرب الذي قفز لصدارة المدربين وذاع صيته عالمياً هل أفلس؟ واللاعبون؟ القضية ليست خسارة مباراة أو ضياع بطولة فهذه واردة في عالم كرة القدم لكن الذي تغير هي هوية الفريق! هل جاءت هذه الخسائر لتظهر ما كان مختفياً في فرحة الانتصارات؟! أم جاءت لتثبت أن الإدارة غير قادرة على الحفاظ على هويته؟ اللاعب الذي يستلم 6 ملايين ريال سنوياً ما يوازي 500 ألف شهرياً ليتدرب بعد العصر ساعتين يومياً (حوالي 8500 للساعة الواحدة) أين يقضي باقي وقته؟ طبعاً هذا المعدل الأقل ناهيك عمن يستلم أضعاف ذلك. واللاعب الذي نسي في خضم الأفراح والدخل المادي رقابته الذاتية ودوره فاهتم بالفلاشات والمناسبات على حساب مصلحته ومصلحة الفريق. واللاعب غير الملتزم من الطبيعي أن تلاحقه الإصابات. واللاعب الذي يأتي متثائباً للتدريب من الطبيعي أن ينام في المباراة. والمدرب غير المسؤول يهمه أكبر دخل بأقل جهد. والإداري الذي لا يستطيع فرض شخصيته وهيبته على هؤلاء من الأولى أن لا يستطيع المحافظة على هوية الفريق وهيبته. كلنا نتذكر عهد المدرب جيريتس حيث كان لاعبو الهلال الأقل إصابات والأقل إنذارات والأكثر انضباطاً وفازوا معه بالدوري (بفارق 11 نقطة عن الوصيف وبأكبر نسبة تسجيل وأفضل دفاع) وبكأس ولي العهد لأنه فرض نظاماً صارماً في الحضور والانصراف والتدريبات الصباحية. لا يعني هذا أن يفوز الهلال بالدوري فالمهم أن تعود للفريق هيبته وشخصيته. فإلى جانب ما سبق، أن يعاد بناؤه إدارياً وفنياً وتجديده بالدماء الشابة وإعطائهم الفرصة إعداداً للموسم القادم وللمستقبل فإن فاز (فبها ونعمت) وإن لم فليس شرطاً أن تفوز بكل البطولات وفي كل المواسم فغيرك له حق. الهلال لديه قاعدة كبيرة ويخسر كل موسم عدداً منهم لصالح أندية أخرى بعد أن كان مضرب المثل في التجديد! الحديث يتشعب وذو شجون لكنني أختم ببيتين نزاريين مع تعديل بسيط: (وضع المدرب) لا يحل قضيتي فقضيتي في دفتري ودواتي. وأرجو أن لا تكون: كل الدروب أمامنا مسدودة وخلاصنا في الرسم بالكلمات والله من وراء القصد..