في الساحة الشهيرة بالبندقية التي يلفها ضباب سميك، يتجول أزواج تنكروا بلباس نبلاء من هذه المدينة، فيما يتقاذف أطفال كريات الورق الملون، فالكرنفال انطلق بنسخة افتراضية بجزء كبير منها، ومن دون حشود السياح الاعتياديين تماشياً مع مستلزمات زمن كورونا. تقول كيارا راغاتزون -47 عاما- "الأمر سريالي فعلا ما يلفتني خصوصا هو الصمت، فخلال الكرنفال تصدح الموسيقى على الدوام والناس يستمتعون بوقتهم، لكن البندقية عندما يلفها الضباب تبقى مكانا ساحرا". وقد أتت هذه السيدة مع زوجها جيزولو من مسافة خمسين كيلومترا تقريبا، ومع أن منطقة فينيتسيا باتت مصنفة صفراء -أي أن خطر انتقال عدوى فيروس كورونا فيها بات معتدلا- إلا أنه لا يمكن للسكان التنقل خارج منطقتهم. ومنذ بدء الجائحة تراجعت إيراداته بنسبة 70 % بسبب غياب السياح الأجانب الذين يشكلون العدد الأكبر من زبائنه، فقبل الجائحة كان الكرنفال يدر نحو 70 مليون يورو ينفقها 567 ألف سائح بشكل وسطي وفق أرقام بلدية البندقية. وقال مدير الجمعية جاني دي كيتشي "خلو البندقية من السياح يشكل فرصة لأبنائها ليعيدوا اكتشاف مدينتهم". وأضاف "في السنوات الخمس والعشرين الأخيرة ألقت السياحة الكثيفة بثقلها على النسيج الاجتماعي الاقتصادي في وسط البندقية وبطريقة أدت إلى انحراف في طبيعة الكرنفال". ويقول بيتر الطبيب النمساوي البالغ الخامسة والستين، وهو من السياح الأجانب القلائل في المدينة "لقد توقفنا عن المجيء زوجتي وأنا بسبب العدد الكبير من الناس، أما الآن فالمدينة خالية وهذا غير مسبوق، فالمدينة سبق وعرفت الطاعون والكوليرا في الماضي والأمر يذكّر بفيلم الموت في البندقية" من إخراج لوكينو فيسكونتي. ومن بين المشاهد المصورة رقصة مرتجلة على جسر ريالتو أدتها مجموعة من الشغوفين بالكرنفال مع ملابس باروكية. ويقول أحدهم ويدعى أرماندو بالا -42 عاما- "نحن لا نسعى إلى كسب المال بل إلى الصمود فقط"، ويدير أرماندو مع زوجته أرنيزا متجراً منذ أكثر من 20 عاما. وتنتشر في المحل ملابس قديمة رائعة من حقب مختلفة إلى جانب أقنعة يدوية الصنع مستوحاة من شخصيات كوميدية مرتجلة إيطالية، أمثال أرليكينو.