الكلمة أمانة والكتابة تصونها، وهي صيد والكتابة قيدها، وقد تكون صيد والكتابة نصرها على باطلٍ أو فضحها. الكلمة لها نصر عظيم لمن تدبّر وشأنها جسيم لمن تفكّر. لا شيء يمكن أن يحد من الاستخدام السيئ للكتابة إلا «الوعي» بأن القلم مسؤولية، والنقر على لوحة المفاتيح أمانة. وهو إلى ذلك محبة، وخير، وجمال، وقيمته تزداد كلما روّح صاحبه لهذه القيم الإنسانية الرائعة، حتى يقال إن ما يكتبه يستحق أن يكتب بماء الذهب. قل خيراً أو اصمت، وصية نبوية معروفة، ولئن كانت هذه الوصية واجبة في القول، فهي أكثر وجوباً في الكتابة، ذلك أن وقع الكتابة أشد، ولو جرّب أحدنا أن يقول لآخر أو يكتب له أحبك أو أكرهك؛ فإن الآخر سيشعر بالفرق ما بين الكلمة المسموعة وتلك المكتوبة التي تشاركت أكثر من حاسة في الشعور بها. كما أن أثر الكلمة أبقى، فبينما تختفي الكلمة المسموعة من الوجود مجرد التلفظ بها مباشرة، فإن أختها المكتوبة تبقى سنوات طويلة، عابرة للزمان والمكان تثير المشكلات وتوقظ الفتن كلما قصدها أهل المكيدة وهواة الشر. حينما يقال إن الكتابة أصبحت مشكلة بحد ذاتها بسبب ضياع (أو اضطراب) قيم المسؤولية إزاء الكلمة وسقوط الشهامة حيال القارئ فهو صحيح إلى حد كبير وله ما يبرره. القول الصائب من توفيق الله للعبد، وهو أيضا من تقوى العبد لله رب العالمين، فالإنسان ينبغي أن يكون حريصاً أشد الحرص على كل كلمة ينطقها لفظاً أو كتابة. يقول رب العزة سبحانه وتعالى: (ما يلفِظُ من قولٍ إلا لديهِ رقيبٌ عتيد). الكتابة رسالة وأمانة، وجه الصعوبة فيها هو التكلّف وخير لها مثل كل فن أن تخرج بعفوية دون افتعال ليكون الصدق عنوانها والإخلاص بوابتها والخلود مآلها.