لم يكن النشاط الأدبي بمعزل عن انعكاسات وآثار جائحة كورونا التي لم تنفك تتمدد وتضرب يمنة ويسرة منذ اكتشاف أولى الحالات الإيجابية في يوهان الصينية مطلع العام المنصرم، وفي ثورة البحث عن حلول لتخفيف آثار الجائحة حضرت التقنية لتقدم نفسها كبديل يمكن الوثوق والاعتماد عليه في تعويض «التواصل» من خلال مجموعة من التطبيقات الافتراضية، وأخذت أدوارها في التزايد إلى أن أصبحت أداة فعالة بل خيارا استراتيجيا لأنشطة كانت أصلا تعاني من تراجع وانخفاض في مستوى التفاعل الجماهيري معها؛ في هذا التحقيق تتقصى «الرياض» آثار اعتماد الأندية الأدبية على التطبيقات الافتراضية في نقل وممارسة أنشطتها وفعالياتها المختلفة. في البداية أشار الدكتور عبدالله عويقل السلمي رئيس نادي جدة الأدبي إلى أن هذا التواصل الافتراضي عبارة عن امتداد وتمدد في المساحة المكانية فبدل أن يجتمع الناس في مكان واحد ينحصر فيه الحضور؛ لمحدودية المنطقة أصبح الآن ممتدا يعبر المنطقة ويعبر الحدود، فالآن الندوات والأمسيات والملتقيات التي تقيمها الأندية الأدبية والمؤسسات الثقافية الأخرى يحضرها أناس من أوروبا والدول العربية ومن إفريقيا ومن كل مكان، يشاركون ويناقشون ويداخلون ويستمعون ويستضيفون ويستضافون، فالمساحة أصبحت كبيرة الآن ولا شك فهذا في مصلحة الثقافة التي أصبحت عابرة للحدود، ولم تعد في كينونتها تتمحور حول ذاتها، ولم يعد المثقف أو الأديب يخاطب ذاته بل أصبحت المسؤولية أكبر فعندما يكون المنبر يراه القاصي والداني الأديب وغير الأديب، متمنيا أن تختلف طرائق العرض وطرائق التناول والطرح حتى تستجيب لكل راغب، ويرى الدكتور السلمي أن الاعتماد على تلك التطبيقات إيجابي، وربما في باطن المحنة الوبائية التي حلت بالعالم منحة جعلتهم أكثر حرصا على إيجاد البدائل التواصلية، هذه البدائل كانت موجودة إلى حد كبير، ولكنها كانت مهمشة، لم تكن هناك حاجة تعوز الناس إليها، ولكنهم عندما احتاجوا لها استنجدوا بها وطوروها، واستخدموها ووظفوها، وأدت غرضها، وأنجزت المهمة، وأتوقع أنها ستكون عماد المرحلة القادمة بإذن الله. البدائل التواصلية منحة كورونا للعالم وأضاف الدكتور ظافر الشهري رئيس نادي الأحساء الأدبي أن النادي لم تتوقف برامجه بسبب جائحة كورونا، بل نفذ أكثر من ثلاثين فعالية توعوية وثقافية ما بين ندوات ومحاضرات وأمسيات شعرية وبرامج للأطفال والمرأة من خلال ركن الأديب الصغير، وديوانية المثقفات في النادي، ولا نزال نمارس هذه البرامج وفق جدولة تأخذ في الاعتبار المناسبات الوطنية والعالمية، وهذه البرامج كلها نفذها النادي من خلال تطبيق (Zoom) وتبث على تطبيق النادي على منظومة الهواتف الذكية، وقد حظيت هذه البرامج بحضور كثيف تجاوز الآلاف، ولا شك أن الاستفادة من هذه المنصات الإعلامية أمر في غاية الأهمية والفائدة، وهذا ما لمسناه من خلال تفاعل المثقفين والمثقفات والإعلاميين والإعلاميات مع هذه البرامج. ويشارك عطالله الجعيد رئيس نادي الطائف الأدبي ويقول: إن التجربة الجديدة في الاستفادة من نقل الفعاليات الثقافية افتراضيا ساهمت في اتساع دائرة الجمهور خارج محيط المؤسسات الثقافية والأدبية، ولعل من أهم إيجابيات هذه التجربة ازدياد عدد المتابعين افتراضيا والسرعة في تنظيم الفعاليات بعيدا عن البيروقراطية، وتقليص التكاليف المادية والبشرية التي كانت عائقا في بعض المؤسسات. تحظى الأنشطة الافتراضية بحضور كثيف علاوة على أنها تختصر المسافات المكانية والزمانية والمرونة في التجهيز والإعداد من حيث التوقيت والتنظيم الذي يستوجب أعمالا كثيرة جدا في مثيلاتها من اللقاءات المباشرة حيث لا يحتاج الأمر سوى لرابط للدخول المباشر أو عنوان إلكتروني، إلا أن مثل هذه التقنية تظل مراوغة من حيث انقطاع البث المفاجئ أو تعطل الشبكة العنكبوتية وغير ذلك، ولكننا في نفس الوقت افتقدنا اللقاءات المباشرة التي تزيد من التعارف والحميمية بين المثقفين والتي يتم على ضوئها بناء جسور تواصلية ثقافية بين المهتمين بالشأن الثقافي. ويشير د. أحمد الهلالي المسؤول الإداري بأدبي الطائف رئيس جماعة فرقد إلى التقنية خففت من آلام العزل القسري سواء على مستوى الأفراد أم المؤسسات في مختلف القطاعات، والمؤسسات الثقافية التي يقوم الفعل فيها على الحضور التقليدي، ويقاس نجاح الفعالية بعدد حاضريها، انتقلت في زمن العزل إلى المنبر الإلكتروني، وقدمت فعالياتها وبرامجها الثقافية عبر تطبيق ZOOM، وهي خطوة موفقة في رأيي لأنها أخرجت المؤسسات من عزلتها في زمن الجائحة، وأسهمت في استمرار الفعل الثقافي، وإن تحفّظ على التجربة بعض المسكونين بإلف الاعتياد، فهو كتحفظ عشاق الورق على الكتاب الإلكتروني. هذه التقنية التي جربها الناس اليوم، ستصبح حاضرة حتى بعد انقضاء الجائحة، وقد عقدت بها ملتقيات وأماسي مختلفة، واجتماعات، ونوقشت من خلالها رسائل علمية، وشؤون حياتية أخرى، ورأى الناس والقائمون على المؤسسات الثقافية مدى سلاسة الإجراءات وسهولتها، وكيف قرّبت المسافات، حتى أصبحت أمسية تعقد في الطائف، يشارك فيها مبدعون من مدن سعودية مختلفة، ومن أوطان عربية أخرى، ويحضرها جمهور مختلف من كل أنحاء المعمورة، لا يؤثر في جودتها إلا ضعف التغطية الإلكترونية، وهي ليست عائقا في بلادنا التي تبذل جهودا جبارة في مواكبة تطورات هذه التقنيات الحديثة، وقد دشنت الجيل الخامس مؤخرا، والقادم سيكون أعظم. التقنية أخرجت المؤسسات الثقافية من عزلتها فيما يشير سلطان العيسى كاتب قصة قصيرة إلى أن تجربة (الفعاليات الأدبية والثقافية الافتراضية) حققت نجاحًا متفاوتا في الفترة الماضية، واستطاع القائمون عليها تخطي بعض سلبيات اللقاءات الحضورية التي كانت تعاني منها تلك المناشط، والالتقاء بجمهور جديد، كذلك تنظيم الفعاليات بتكلفة أقل، ولكن وبالرغم من البروز الملحوظ لتلك الفعاليات، إلا أن الاستفادة من الحجم الهائل للإمكانات التي تتيحها المنصات الاجتماعية وبرامج القاعات الافتراضية ما زال محدودًا ودون المستوى المأمول، ويرجع السبب إلى عدة عقبات أهمها حداثة التجربة، والذي أدى إلى إحجام بعض المثقفين والأدباء عن الحضور الإلكتروني لأسباب مختلفة، ناهيك عن عدم اعتياد الجمهور الأدبي على ارتياد تلك القاعات الافتراضية. د . عبدالله السلمي د. أحمد الهلالي د. ظافر الشهري سلطان العيسى عطالله الجعيد