قبل مليون وثلاث مئة ألف عام، مرّت فوق ثرى أرضي في شمال المملكة خطى الإنسان، واستقرّ في تجمعاته البسيطه. كم هو موغل في التاريخ تاريخي. أستشعر ذلك والفخر يملؤني وأنا أتتبع آثار الأقدام وعظمة الإنجاز على مرّ العصور والأزمان. من ثاني أقدم مستوطنة بشرية في «الشويحطية» انبثق شعاع الحضارة الإنسانية ليمتدّ سناهُ عبر آلاف السنين، مروراً بموقع «الرجاجيل» و» قلعة مارد» و» قلعة زعبل « وغيرها الكثير من المواقع التي كانت شاهدة على إنجاز ساكنيها، وازدهار قاطنيها. منذ فجر التاريخ وحتى يومنا هذا ونحن نرى ونلمس أثر المشاريع الكبيرة التي تُدشن هنا وهناك على ازدهار المجتمعات المحيطة بها وتساهم في رفاههم وتوسيع آفاقهم. شعاع حضارة الجوف القديمة ترك لنا إرثاً حضارياً وثقافة إنسانية عظيمة نستلّهم من عبقها حضارة جديده قائمة على المعرفة والابتكار، وأن البصمات الكبيرة في التاريخ تحتاج إلى عظماء وقادة فكر وبناء. هذا الإلهام والفكر النيّر المبني على مواكبة التقدم والتطور في التقنيات والذي يحمل لواءه سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله ورعاه - جاء ليرسم لنا البشائر الواحدة تلو الأخرى وفق رؤى ثاقبة وخطى ثابتة يملؤها العزم والاصرار نحو مستقبل مشرق واعد، فبعد أن شهد العالم أجمع قبيل أيام أكبر تظاهره سياسية وثقافية واقتصادية وحضارية في القمة الخليجية بالعلا. ويرى المشاهد كيف وضعت «العُلا « أولى قدميها على خارطة السياحة العالمية وتوجهت إليها الأنظار بدهشة وانبهار لجمال عراقة التاريخ وحضارة المستقبل، جاءت بشرى سمو ولي العهد بإطلاق مشروع «ذا لاين» لتضيف للسعوديين مضماراً جديداً في الإنجاز ومدعاة للفخر. يأتي مشروع «ذا لاين» بفكرته الخلاّقه كنوع من الامتداد التاريخي للحضارة الإنسانية التي تحدثت عنها في البداية متمثلة بحضارة الجوف، إذ أن مشروع «ذا لاين» والذي يعني الخط المستقيم وكأني أراه خطاً يبدأ من أبعد نقطة في التاريخ حين استوطن الإنسان الأول «شويحطية» وينتهي هذا الخط عند أقصى ما يمكن أن يتخيله الإنسان المعاصر من مدينة مدنية رقمية ستأخذه بعيداً عن ضجيج المدن التقليدية وتلوث بيئتها إلى سكونه ونقاء هوائه، وتناغم مكوناته كمشروع عصري مع الطبيعة المحيطة به، وذلك واضح جلّي في اعتماده على الطاقة المتجددة في كافة مرافقه وقرب مكوناته من بعضها لاعتماد سياسة المشي كنمطٍ أساسي للحياة، الأمر الذي يعيدنا إلى طبيعتنا الإنسانية وسط جو تقني ورقمي معاصر، وإن مدينة بطول 170 كلم معززة بالذكاء الاصطناعي وبدون تلوث أو ضوضاء هي بصمة تاريخية يشار إليها بالبنان، كل ذلك سنراه على أرض بلادي الفتية. لقد جاءت رؤية 2030 محفزة وداعمة لخلق اقتصاد مستدام وقائم على التنويع في مصادر الدخل الوطني، وبما من شأنه أن يعمل على توفير فرص العمل ويساهم في تنمية المجتمع وازدهاره، وتماشياً مع هذه الرؤية كان مشروع «ذا لاين» في نيوم والذي أعلن عنه اليوم مشروعاً وطنياً عملاقاً، سيوفر 380 ألف فرصة عمل بحلول 2030 ويساهم بإدخال 180 مليار ريال إلى الناتج المحلي الإجمالي، هذه الأرقام الصعبة ما كانت لتأتي لولا وجود الإدارة في النهج، والإدارة في التنفيذ.