العبدالكريم: في يوم التأسيس.. نستذكر قصة انطلاق الدولة السعودية    ارتفاع أسعار النفط وخام برنت يبلغ 76.48 دولاراً للبرميل    «الاقتصاد السعودي».. استثمارات إستراتيجية مستدامة    في السعودية.. الحل والسلام    درس في العقلانية الواقعية    ألا يحق لنا أن نفخر ؟    الإعلام السعودي والاحترافية العالمية    «شعبنتوا» ولا لسه ؟    الدرعية.. منارة للعلم والمعرفة    يوم التأسيس.. جذور راسخة وعمق تاريخي    مستشار الأمن القومي الأميركي : ترمب مُحبط من زيلنسكي    بال3.. الرائد يتخطى الرياض    ملك الأردن يهنئ خادم الحرمين بمناسبة ذكرى يوم التأسيس    تعليم جازان يحتفي بيوم التأسيس تحت شعار يوم بدينا    أمين الرياض يرعى افتتاح النسخة الثالثة لموسم ملح القصب    وزير الصحة يتفقد جاهزية المنشآت الصحية في مكة    الفتح يتغلب على العروبة بهدف في دوري روشن للمحترفين    شقيق سعيد الصبحي إلى رحمة الله    أمير المنطقة الشرقية يكرّم البنك العربي الوطني لشراكته المصرفية في منتدى الأحساء 2025    وزارة الخارجية السعودية تعرب عن تضامنها مع دولة الكويت    فيصل بن فرحان يبحث العلاقات الثنائية مع وزير خارجية المملكة المتحدة    رئيس البرلمان العربي يستقبل وفد منظمة التحرير الفلسطينية والمجلس الوطني    "البريك"تهنئ القيادة والشعب السعودي بمناسبة يوم التأسيس    محافظ الطائف يهني النقيب الشمري    الأمير سعود بن نهار يلتقي مدير المساجد والدعوة والإرشاد بالمحافظة    قطاع أحد رفيدة يُفعّل "اليوم العالمي للسرطان"    ميدان التأسيس في محافظة الأسياح معلمًا بارزاً يعزز الهوية الوطنية .    بلدية محافظة الشماسية تستعد للاحتفال بيوم التأسيس    جامعتا الملك سعود والإمام عبدالرحمن في نهائي قدم الجامعات «أ»    أكثر من 5 ملايين مُصلٍ في المسجد النبوي خلال الأسبوع الماضي    القبض على إثيوبي في جازان لتهريبه (17) كجم "حشيش"    أنشيلوتي : مبابي يستطيع الوصول إلى مستوى رونالدو    الدكتور المسعود والدكتور الصميلي وجهان مشرقان للتاريخ السعودي    الرياض تحتفي بيوم التأسيس برفع أعلام الدولة السعودية الأولى    مقتل شخصين وإصابة آخرين إثر هجوم بسكين في التشيك    تعزيزًا لهوية المملكة المالية والاقتصادية.. خادم الحرمين الشريفين يعتمد رمز عملة الريال السعودي    هيئة تقويم التعليم والتدريب تعتمد 62 برنامجاً أكاديمياً    نائب أمير الرياض يرعى الحفل السنوي لجمعية كيان للأيتام    1:42 أفضل وقت لنوم القيلولة    الاستحمام بالماء البارد يعزز النوم والراحة    رمضان اقترب.. جهّز جسمك للصوم    خلال مشاركته في المنتدى السعودي للإعلام.. وزير الطاقة: ولي العهد صانع التأثير والتغيير    إرهابيون من 50 دولة على حدوده.. والملف مسؤولية دولية.. العراق يطالب دول العالم بسحب رعاياها من «الهول»    سوريا.. الحوار الوطني يتواصل.. وروسيا تخطط ل «اتصالات رفيعة»    «الشؤون الإسلامية»: البرنامج يستهدف 61 دولة    "حافلات المدينة" تطلق خدمات النقل الترددي بداية شهر رمضان    بحضور الأمير سعود بن جلوي.. قنصلية دولة الكويت تحتفل باليوم الوطني ال64    أمير منطقة المدينة المنورة يزور محافظة وادي الفرع    مقتل طفلة ضرباً لسرقتها شوكولاتة    "الانضباط" تُغرم جيسوس والهلال 100 ألف ريال    الطائف تودع الزمزمي أقدم تاجر لأدوات الخياطة    الأمير محمد بن فهد بن عبدالعزيز..سيرة عطرة ومسيرة ملهمة    الأمير سعود بن مشعل يدشن الهوية الجديدة لموسم جدة    فيصل بن نواف يتسلم تقرير أحوال الجوف    د. عادل عزّت يشكر المعزّين في وفاة والده    علاقة الحلم بالاستدعاء الذهني    ليب 2025 وصناعة المستقبل الصحي !    الجمعية التعاونية متعددة الأغراض بجازان تستضيف فريق صياغة الإستراتيجية بالجامعة لمناقشة أوجه التعاون المشترك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دمعة على قبر أمي
نشر في الرياض يوم 09 - 01 - 2021

جُبلت هذه الدنيا على كدر وإن كنا نريدها صفواً من الأقذار لكن سنة الله في خلقه باقية وآيته في القرآن قائلة (لقد خلقنا الإنسان في كبد). هذه حقيقة ماثلة لا ينكرها عقل ولا يجحدها فكر، ومن هذا المنطلق وجب على كل من دبّ على هذه البسيطة أن يكون على أهبة الاستعداد لما قد يلقاه من أحزان ومصائب وكروب وصوارف وكم هي المرات التي يرزأ المرء فيه بفقد أحد من أحبابه أو أصحابه أو أصدقائه فتأخذه مسحة حزن أو ألم سرعان ما تنجلي وتنقضي بمرور الأيام والأزمان، لكن هناك فقد لا يشبه فقد وحزن لا ينجلي لا بمرور الأزمان ولا باندثار الأيام، هو نقص لا يسده شخص بارع ولا طبيب حاذق ليس له مرتجع ولا لنسيانه أمد، إنه يا سادة فقد لأغلى مخلوق أعطاك من صحته ووقته وعطفه وحنانه ولم يسألك يوماً أن ترد له معروفه أو تكافئه على صنيعه، إنها الأم التي هي ملاذ آمن وقت انقضاض جيوش الهموم والأحزان على قلبك وسكن هادئ للأسرار والودائع والأخبار.
كنت في غابر الأيام أسمع بفلان فقد أمه فصاغ فيها الدواوين والأشعار وكنت أحسبها ضرباً من المبالغة أو الخيال واليوم كتب الله لي أن أتذوقه وأشعر به على مضض فتقبلته على غصص وأيقنت أنه لا بقاء لأحد في هذه الدنيا (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام).
في ليلة ليست كسائر الليالي وفي ساعة متأخرة من ليلة الثلاثاء الموافق 21 / 5 / 1442ه رنّ هاتفي وليته لم يرن ليخبرني بنبأ وفاة والدتي الصابرة المحتسبة: لطيفة بنت عبدالله السيف بعد أن كنت أنتظر خبر تحسنها في كل صباح ولكن لا اعتراض على قضاء الله وقدره والحمد لله أولاً وآخراً وهذه سنة الله في الأرض باقية إلى قيام الساعة ولا نقول إلا ما يرضي ربنا (إنا لله وإنا إليه راجعون).
أصعب ما في هذه الحياة فقد الأم ويقين الواحد أنه لن يرى صورتها ولن يسمع صوتها ولن يهنأ بدعواتها وأشدها ألماً حين يغدو أحدناً إلى بيتها فلا يرى إلا بقايا آثارها سجادتها ومصلاها، كرسيها وسريرها، عباءتها وحجابها، أدويتها ومستلزماتها، مكانها الذي اعتادت الجلوس فيه. كل شيء يذكرك بها حتى شعراتها المتساقطة الخفية تذكرك بها! البيت بأكمله أصبح لا معنى له بعد فقد من كانت تملأ أرجاءه بالدعوات وتمطره بوابل العطايا والهبات، كيف لا يحزن المرء على فقد من كانت باباً للجنة ببرها والإحسان إليها؟ هذا إياس بن معاوية يبكي عند وفاة والدته فيُسأل عن ذلك فيقول (كيف لا أبكي وقد أغلق عني باب من أبواب الجنة)؟
رحلت أمي وتركت إرثاً تربوياً وذكراً حسناً لا ينقطع، كيف لا وهي المرأة التي ابتليت فصبرت ولم تجزع أو تتضجر أو تتململ، عانت من الآلام والأوجاع أشدها ومع ذلك كانت صابرة محتسبة ترجو ما عند الله من الأجر والثواب دون سواه، سنوات من الأمراض التي تهاجمها (سكر، ضغط، ضعف في عضلات القلب) وأقدام متورمة لا تكاد تطأ عليها ومع ذلك لسانها لاهج بالشكر والثناء لله سبحانه وهذه لعمري من أعظم منازل الشاكرين وبها برحمة الله ستطأ الجنة مع الصابرين المحتسبين (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب)، لم أعهد عنها أنها تركت قيام الليل لا في سفر ولا في حضر ولا حتى في مرضها، توقظ أبي وتحثه على الصلاة آخر الليل رجاء أن تنالها رحمة ربي سبحانه.
فجعت بوفاة أخي قبل خمسة أشهر -رحمه الله- فحزنت حزناً عظيماً وكأنها لم ترزق من البنين إلا هو رحمة وحنانا وعطفا ووفاء حتى أخذ الحزن منها مبلغه فعافت الطعام والشراب وزادت معها الأسقام والأوجاع وكانت دوما تردد (اللهم اجمعني به عن قريب في جناتك جنات النعيم) ونسأل المولى أن يجمعنا بهم وبنبينا محمد صلى الله عليه وسلم في مستقر رحمته مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا.
لقد تركت أمي إرثاً تربوياً لا يمكن لجامعة مهما بلغت من العلم منتهاه أن تقدمه أو تحققه ولا لمختص مهما بلغ من الدرجات العلمية مبلغه أن يقدمه في درس أو محاضرة قصر الزمان أم بعد!
ربتنا والدتي الغالية على الخوف من الله عز وجل في سرنا وعلننا وعلى أداء الصلاة في وقتها مع الجماعة وحين كان أبي مؤذناً يخرج إلى المسجد قبل الأذان كانت هي من تتولى إخراجنا إلى المسجد وحثنا عليها بل كانت رغم حنانها وعطفها تؤثر أن نصلي الفجر جماعة حتى مع اشتداد البرد بل تقف على رؤوسنا فرداً فرداً وتوقظنا إلى الصلاة بعبارات تنضح دعاء بالصلاح والإعانة والترغيب الممزوج بالحنان والرأفة حتى نشأنا على حب الصلاة وعدم التخلف عنها في كبرنا وكثيراً ما كان يثني عليها إمام المسجد آنذاك رحمه الله لحسن صنيعها مع أبنائها أما حلقات القرآن وحثنا عليها فلها في ذلك شأن عجيب فهي عندها من الأولويات المقدمة ودائماً ما تحثنا على حفظ القرآن وتشجع على ذلك بالهبات والأعطيات حتى أتم إخوتي حفظ كتاب الله ولله الحمد وصدق من قال
الأم مدرسة إذا أعددتها
أعددت شعباً طيب الأعراق
إنها باختصار شمعة الدار التي انطفأت بموتها وسراجه الذي اختفى ضوؤه برحيلها، ولكن حسبنا من ذلك أنها من النساء الصالحات المحتسبات الصابرات التي آثرت الآخرة على الدنيا وكانت دوماً ما تردد بلغتها الدارجة (الله لا يبحل بي) أي لا تجعلني عبئاً على أحد بمرضي حتى لا يشقى ويتعب من حولي وفعلاً تحقق لها ما دعت به فلم تمكث في العناية سوى ليلتين فقط وتوفاها الله سبحانه.
رحم الله روحاً احتضنتها التربة.. رحم الله جسداً أحاط به الكفن رحم الله امرأة كانت على ظهر هذه الأرض ثم رحلت لم يشتكِ منها بشر.
صعب عليً التعبير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.