منذ أن ابتدأت هجرة القبائل الساميّة القديمة من جنوب الجزيرة العربيه شمالاً في الألفية الثالثه قبل الميلاد، والعُلا تحتل مركزاً مهماً في التاريخ الإنساني امتدّ لتاريخنا المعاصر، حيث استوطنها الإنسان قبل ما يقارب (200000) سنة، وخطّ على جنبات أوديتها رسوماً تصويرية تسجل لنا حياته اليومية وبطولاته في الصيد، ومردّ ذلك أن منطقة العُلا غنية بمواردها المائية الجوفية وخصوبة أرضها وتنوع غطائها النباتي إضافة إلى تضاريسها وطبيعة جغرافيتها الأخّاذة. ومع توالي الهجرات وصلتها القبائل الآرامية حاملين معهم الأبجدية الآرامية بفروعها في القرن الثاني عشر ق.م حيث استمر التواجد البشري فيها مع نشوء حضارات بارزة ومهمة في التاريخ مثل اللحيانيين والدادانيين والثموديين والأنباط، وجميعهم من القبائل العربية التي ازدهرت في فترات متعاقبة على أرض العُلا مستثمرين موقعها المميز كمحطة مهمة وملتقى طرق واستراحة للقوافل على طريق التجارة القديم أو ما يعرف ب(طريق الحرير)، بل إن العرب الأنباط اتخذوا من العُلا عاصمة جنوبية وبوابة لممتلكاتهم التي امتدت بنفوذها حتى بصرى الشام شمالاً قبل سقوطها بيد الرومان عام 106م. ولم تفقد العُلا تلك الأهمية في الفترات الإسلامية، بل حافظت على تواجدها ومكانتها، يؤكد ذلك وقوعها على مسار طرق الحجيج القادمين من الشام ومصر، بالإضافة إلى كونها مركز استقرار بشري، تلتقي فيه الحضارة الإسلامية المبكرة مع حضارات ما قبل الإسلام، وأصبحت في مطلع القرن العشرين محطة مهمة يمرّ منها خط سكة حديد الحجاز الذي يمتد إلى المدينةالمنوره. وها هي العُلا اليوم تتزين بحلة وشكل تاريخي وسياحي جديد يضعها ضمن قائمة التراث العالمي (اليونسكو) عام 2008م، متزامناً ذلك مع العديد من أعمال المسوحات الأثرية والتنقيبات لكشف اللثام عن ما يحتويه باطنها من المعالم والكنوز الأثرية، حيث جاءت رؤية 2030 إدراكاً من المملكة العربية السعودية لأهمية العُلا التاريخية، وكان لتوجيهات سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- لانشاء الهيئة الملكية لمحافظة العُلا عام 2017، دوراً بارزاً وجوهرياً في وضع العُلا على الخارطة السياحية العالمية من خلال المبادرات التي أطلقتها الهيئة وعملت على إنجاحها وأبرزها (مهرجان شتاء طنطورة) الذي حقق نجاحاً عالمياً رغم حداثة عمره. إن اهتمام سمو ولي العهد بمنطقة العُلا لم يتوقف عند جوانب الترويج السياحي لها وإبراز معالمها فحسب، بل إن رؤية سموه أخذت آفاقاً أرحب من ذلك حين تقرر أن تكون العُلا مقراً لاستضافة القمة الخليجية في دورتها الحادية والأربعون، الأمر الذي أضفى على سماء العُلا بريقاً أخاذاً بنور ضيوفها الأشقاء من دول مجلس التعاون الخليجي؛ حيث تشرفت العُلا وازدانت باحتضان قمة المجلس الأعلى لدول مجلس التعاون الخليجي، هذه القمة التي عززت أواصر الترابط والحوار المشترك وتعزيز الأمن واستقرار دول المجلس وتحقيق تطلعات وآمال مواطنيه والتي جاءت في ظرف استثنائي يشهده العالم أجمع، جاءت القمة لتلتئم في موطن الحضارات وملتقى الثقافات وفي واحدة من أهم عواصم الممالك العربية القديمة.