اجتمعت يوم الأربعاء اللجنة المشتركة للاتفاق النووي، بمشاركة نواب وزراء الخارجية والمديرين السياسيين لإيران والصين وروسياوألمانياوفرنساوبريطانيا بالإضافة إلى مسؤولين من الاتحاد الأوروبي حيث ترأست الاجتماع هيلغا ماريا شميت، على وقع مطالبات بريطانية بإعادة صياغة اتفاق نووي جديد مع إيران. وبينما اعتبر المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زادة، الاجتماع روتيناً عادياً في إطار الجلسات الاعتيادية التي تقوم بها اللجنة المشتركة للاتفاق النووي على مستوى نواب وزراء الخارجية والمديرين السياسيين للدول الأعضاء كل ثلاثة أشهر، رأى مراقبون أنها جلسة مختلفة حيث تشهد هذه الجلسة دعوى هي الأولى من نوعها من بريطانيا للتخلص من الاتفاق النووي بشكله السابق. ويرى مراقبون أن المطلب البريطاني الذي يأتي في مرحلة الانتقال السياسي الذي ستشهده الولاياتالمتحدة، هو استكمال لدور "بيضة القبان" الذي رغبت أوروبا بلعبه بين إيرانوالولاياتالمتحدة، ففي عهد ترمب الذي نسف الاتفاق النووي بصيغته القديمة، حاولت أوروبا الوقوف على مسافة من ترمب لتحافظ على ما بقي من الاتفاق، أما في عهد بايدن فيبدو أن الأوروبيين يريدون إعلام الإدارة الجديدة أنهم لا يتفقون مع الشكل السابق للاتفاق النووي الذي لم يراع عدة مخاوف تسبب بها سلوك النظام الإيراني. ويأتي المطلب البريطاني في وقت خرج فيه البرلمان الايراني مؤخراً بجملة من القرارات التي تدعو إلى التخلي عن كل التزامات الاتفاق النووي إذا ما لم تنفّذ بقية الأطراف تعهّداتها خلال شهرين وفي مقدمتها رفع العقوبات الأميركية التي بدأت تنهال على إيران منذ العام 2018. وما يعنيه هذا هو أن بريطانيا أيضاً اليوم ستخرج بصوت مناوئ لرفع العقوبات قبل "إعادة صياغة الاتفاق النووي للعام 2015" وتقديمه بشكل جديد يعالج قضايا أخرى إلى جانب الملف النووي وهي مشكلة جديدة لإيران التي اعتقدت أنها تملك ورقة الدعم الأوروبي للاتفاق القديم في جيبها حين تصل الإدارة الجديدة إلى البيت الأبيض. أوروبا ضد ترمب وليس مع إيران لطالما تم تصوير الموقف الأوروبي في السنوات الاخيرة على أنه أقل تشدداً من الموقف الأميركي مع إيران وتحديداً سلوكها في المنطقة وبرنامجها الصاروخي، إلا أن تبعات السلوك الايراني المزعزع للاستقرار قاد إلى نتائج مدمرة أثرت سلباً وبشكل مباشر على الأوضاع الأمنية والاقتصادية في أوروبا في السنوات الأخيرة وقادت إلى تحركات أوروبية غير مسبوقة مثل تصنيف حزب الله وعصابات مقربة من إيران تنشط في أوروبا على قوائم الإرهاب. وكانت خشية أوروبا من خطر السلوك الإيراني تزداد مع كل هزة تتسبب بها أذرع إيران في الشرق الأوسط، فانفجار بيروت في آب-اغسطس العام 2020 دفع الأوروبيين لاتخاذ المزيد من الخطوات لتلافي مخاطر الجماعات المقربة من إيران حيث اكتشفت دول مثل فرنسا وبلجيكا وأسبانيا وبريطانيا أن "حزب الله" أستخدم أراضيها لنقل مواد "نيترات الامونيوم". ولكن مع كل هذا التهديد الإيراني لأوروبا، استمر الأوروبيون بمعارضة طريقة الرئيس ترمب بالتعامل مع إيران وملفات أخرى مشتركة، حيث اتهموا الرئيس ترمب بالتقليل من أهمية التحالف مع أوروبا التي ناصبها الرئيس ترمب العداء وسحب بعض القوات الأميركية منها مثلما حدث في ألمانيا، حيث قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أن الأوربيين بحاجة للبحث عن بدائل في ظل تراجع الدول القيادي لأميركا في عهد ترمب. وفي عهد الرئيس ترمب، الذي تقارب مع روسيا وطلب من الأوروبيين باستمرار أن يدفعوا المزيد من الأموال لحلف الناتو للدفاع عن أنفسهم تراجعت العلاقة الأوروبية إلى أدنى مستوياتها، ليعود التفاؤل للأوروبيين بإدارة الرئيس المنتخب جو بايدن ومسؤوليه المعنيين وعلى رأسهم "أنتوني بلينكن"، وزير الخارجية المفترض الذي قضى جزءا من طفولته وشبابه في فرنسا ويصفه السياسيون في واشنطن بأنه صديق ودود لأوروبا حيث يعتبر العلاقة مع الأوروبيين من أهم ركائز السياسة الخارجية الأميركية. في ظل هذا التغير الكبير في واشنطن، نرى بريطانيا تبادر هذه المرة بالمطالبة بالتخلص من الاتفاق بشكله القديم الذي حاول ترمب أصلاً التخلص منه ولم يلق دعماً أوروبياً أو بريطانياً، ما يؤكد على عزم أوروبا على إعادة صياغة العلاقة الدولية مع النظام الإيراني والانطلاق بسياسات تخلّص العالم من إجرامه بعد أن وصل حليف موثوق للأوروبيين إلى البيت الأبيض. هناك رأي قوي اليوم في واشنطن يقول إنه في عهد ترمب عاش الأوروبيون مخاوفا غير عادية من عزلهم وتركهم للانتقامات إيران وجماعات إرهابية دون أن يكون الحليف الأميركي حاضر لمساعدتهم، خاصة أن ترمب يرى ما وراء الأطلسي ومنطقة الشرق الأوسط عالم آخر بعيد عن الولاياتالمتحدة وليس من مسؤولية أميركا التوغل في مشكلاته. المخاوف الأوروبية من عدم موثوقية ترمب انعكست على امتناع أوروبا في السابق عن مماشاة الولاياتالمتحدة في سياساتها تجاه إيران، أما المقترح البريطاني الجديد فيؤكد أن أوروبا التي غرقت باللاجئين والمشاكل التي وصلتها من الشرق الأوسط بسبب الفوضى التي تتسبب بها إيران، باتت مدركة وأكثر من واشنطن نفسها أن الشكل القديم للاتفاق النووي لم يكن ينفع أحد.فقبل أربعة أسابيع فقط من دعوة بريطانيا، كان لفرنسا دعوة مماثلة بتوسيع نقاط التفاهم في الاتفاق النووي لجعله يشمل ملفات أخرى غير الالتزامات النووية. كل هذه التحركات تدل على أن أوروبا الواثقة بأن ساكن البيت الأبيض الجديد لن يتخلى عن الحلفاء بتغريدة، عازمة على الدفع لاجماع أميركي - أوروبي يجرّد النظام الإيراني من أدوات الإرهاب التي يحاول ملالي طهران التمسك بها من خلال اتفاق نووي ضعيف "يرفع العتب" عن المجتمع الدولي المطالب بحل المشكلة الإيرانية لا أكثر.