100 مليون مشاهدة في يوم    حكم قضائي مغربي ضد WhatsApp    ترجمة مسرحية سعودية للغتين    الكركديه من مشروب تراثي إلى ترند في مقاهي جدة    القهوة تقلل خطر الإمساك    مسارات صحية تحذيرية تؤدي إلى الخرف    867 جولة رقابية على مواقع التعدين    4 مليارات ريال تداولات الأسهم    أمير الشرقية يستقبل سفير جورجيا    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في القصف الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 97 شهيدًا    الملك سلمان للإغاثة يواصل مشروعاته الإنسانية في الدول الشقيقة    فرصة نيويورك    جائزة اللاعب الأفضل لبالمر والقفاز الذهبي لسانشيز.. ودوي أفضل شاب بكأس العالم للأندية    القيادة تهنئ رئيس الجبل الأسود بذكرى بلاده    فيصل بن مشعل يتسلّم تقرير مزادات الإبل وفعاليات يوم التأسيس في ضرية    .. "وهيئة الشورى" تحيل 10 موضوعات إلى جدول أعمال المجلس    استعراض البرامج والمبادرات المجتمعية في الطائف أمام سعود بن نهار    توقيع عقد صيانة شوارع الفوارة بأربعة ملايين ريال    المملكة تشحن 51 مليون برميل من النفط للصين في أغسطس    «جامعة نايف الأمنية» تحصد اعتماداً فرنسياً في عدة برامج    «إثراء» يمتّع الصغار بفعاليات متنوعة.. وحرارة الطقس تزيد الإقبال على «المولات»    مستجدات القطاع الصحي على طاولة نائب أمير حائل    جامعة الأميرة نورة تدشن حزماً من الشهادات المهنية الاحترافية    240 ألف مستقل وعميل في منصة العمل الحر    أمير نجران يدشن مبادرة "صيّف بصحة"    في حال اعتذاره.. من يعوض الهلال في كأس السوبر    الاتحاد يضم عدنان البشرى من الأهلي    بالمر يقود تشيلسي للفوز بكأس العالم على حساب سان جيرمان    11 لاعباً سعودياً في تحدي عالمي على أرض جدة ضمن بطولة البلياردو    عندما تُذكر "الإبادة" كنتيجة "منطقية" للحرب    قصر علياء الأثري يبرز من بين الرمال كشاهد على طريق الحج القديم    سُلَّم الكعبة.. مشاهد العناية الفائقة بأقدس البقاع    يدور الوقت وابن ادم يعيش بوقته المحسوب    "الشؤون الإسلامية" تطلق الدورة العلمية لتأهيل الدعاة في بنجلاديش    فرنسا تعتمد برامج جامعة نايف    مستشفى الأفلاج العام يقدّم أكثر من 100 ألف خدمة صحية في 6 أشهر    أمير منطقة جازان يستقبل رئيس المحكمة الإدارية بالمنطقة    أمير القصيم يستقبل محافظ ضرية ويتسلّم تقريري مزادات الإبل وفعاليات يوم التأسيس    ورشة عمل وصالون ثقافي في مكتبة الملك عبدالعزيز احتفاء ب"عام الحرف 2025"    موعد مباراة سان جيرمان وتشيلسي في نهائي كأس العالم للأندية    كوكب زحل يصل اليوم إلى نقطة الثبات    الياباني GO1 بطلاً لمنافسات لعبة Fatal Fury ضمن كأس العالم للرياضات الإلكترونية 2025    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الشثري    غارات متواصلة وتعثر بالمفاوضات.. غزة تحت وطأة التصعيد والجمود السياسي    صورة مميزة لمونرو تباع بمزاد    دمج «قسد» ضمن الدولة قيد البحث.. لا" تخطيط أمريكي" لبقاء القوات في سوريا    ضبط 20 ألف قرص مخدر والإطاحة بعدة مروجين    ضبط 21058 مخالفًا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود في مناطق المملكة    «الشؤون الإسلامية» تعزز نشر المنهج الوسطي بالمالديف    مركز الملك سلمان يوزع سلالاً غذائية على المحتاجين.. مساعدات إيوائية لمتضرري حرائق اللاذقية    تعقيدات تهدد المسار الدبلوماسي.. إيران تضع شروطاً جديدة لاستئناف المحادثات النووية    نيابة عن خادم الحرمين الشريفين.. نائب أمير مكة يتشرف بغسل الكعبة المشرفة    تواصل تميزها العالمي.. المملكة تعزز الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي    السعودية تؤكد التزامها الكامل باتفاق «أوبك+»    الكتاب العظيم يستحق مشروعا عظيما    إطلاق مشروع "صيف زهر" للفتيات في مدينة أبها بنسخته الرابعة    هنا السعودية حيث تصاغ الأحلام وتروى الإنجازات    أمر ملكي: تعيين الفياض مستشاراً بالديوان الملكي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مكافحة الفساد في الدولة بناء لصلاح المجتمع
نشر في الرياض يوم 14 - 12 - 2020

منذ فجر التاريخ وظهور محوري الخير والشر، يحاول الإنسان جاهدا تنمية جوانب الخير وتفعيلها، ومحاربة جوانب الشر والقضاء عليها؛ وهكذا بدأ الصراع بين جانب الخير والشر منذ القديم؛ فقد تعددت أساليب الشر، والاعتداء على الآخر، وسلب قوته ومدخراته، وكانت كل هذه الافعال المشينة تتم بشكل فردي؛ في حين نبذت تلك المجتمعات أولئك الأشرار وأقصتهم؛ ولعل أول ظهور مؤرخ لسياسة مجتمعية في معاقبة المخالفين وردعهم وقفنا عليه إنما هو في مسلة حمورابي والتي تعود إلى 1800ق.م أي ما يقارب الأربعة آلاف عام من تاريخنا المعاصر، وكانت هذه اللائحة القانونية نواة لضرب يد المفسدين والحد من شرورهم.
غير أن ظهور عصابات وجماعات تحمل نفس التفكير الإجرامي، جعل الشعوب أمام معضلة كبرى ومسؤولية عظمى في مواجهتهم، ورصد جميع طرقهم في الاحتيال والالتفاف على القوانين، لسدِّ الثغرات أمامهم أولا بأول، كما جاءت الأديان السماوية كافة مناهضة لهذا السلوك غير السوي، والذي يتعارض كلياً مع الغاية العظمى من وجود الإنسان كخليفة لله على وجه البسيطة، حيث زخرت الآيات القرآنية وفي كثير من مواضعها على التحذير من مغبة الوقوع في إثم الفساد، والإضرار بالناس، ومصالحهم، أو بالمال العام؛ وجاءت غايات التنمية في المنظور الإسلامي تتجه نحو تحقيق العبادة لله وحده، بتعمير الأرض بمنهجه، وتحقيق الحياة الطيبة للبشر في الدنيا، من خلال حفظ المقاصد الخمسة - الدين والنفس والعقل والنسل والمال - كما شنَّ الإسلام حرباً لا هوادة فيها على الاستغلال والاستعباد، وتطفيف الميزان، والغش، والاحتكار، والسرقة، والرشوة، والربا، والاغتصاب؛ ومن ثَمَّ التعدي على المال العام وغير ذلك؛ واستمر في محاربة الفساد بكل أشكاله وألوانه، حيث سنَّ التشريعات التي تمنع كل مظاهر الفساد المالي، فحرم السرقة.
والباحث في التاريخ الإنساني وحضاراته، يجد أهمية نظام الحوكمة الرشيدة في تنظيم حياة الإنسان وسلوكه، ونشأة الحضارات الإنسانية وازدهارها؛ وقد تضمَّن التاريخ البشري شواهد كثيرة على أن الإمبراطوريات التي سادت العالم كان أساسها الحكم الرشيد، وترسيخ قيم العدالة والشفافية والمساءلة؛ وأن الإمبراطوريات التي سقطت كان بسبب تراجع دور الحوكمة، وبروز ظاهرة الفساد والظلم فيها.
ومع مطلع القرن العشرين، قرن ثورة الاتصالات، والتقنيات الرقمية التي حوَّلت العالم إلى قرية صغيرة، ظهرت منظومات وإمبراطوريات اقتصادية عالمية، نتيجة زيادة في حجم التبادل التجاري، بسبب تطور وسائل التبادل والنقل والشحن؛ وصار العالم أمام أخطبوط عالمي، وشبكات منظمة تمارس الفساد بشتى أصنافه، مما أوجب على المجتمع الدولي بذل جهود مشتركة لإيجاد صيغة عالمية، وتعاون دولي، من شأنه مكافحة الفساد بجميع أصنافه وألوانه؛ ومن هنا جاءت نشأة منظمة الشفافية الدولية في العام 1993م كمؤسسة مجتمع مدني دولية وغير حكومية، تهدف لمحاربة الفساد، وجمع البيانات الخاصة بذلك وتوثيقها تحت شعار (خلق تغيير نحو عالم من دون فساد)؛ وبدأت بعد تأسيسها بعامين بإصدار تقارير سنوية حول مؤشرات الفساد عالميا، وبشكل محايد؛ ونجحتْ في اكتساب المصداقية بوضع مؤشراتها وتقاريرها أمام مؤسسات دولية أكثر نفوذاً، كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، كما استطاعت إبراز الفساد كعائق رئيس أمام التنمية.
لم تكن المملكة بمعزل عن العالم، فقد تأثرت سلباً بآثار الفساد، شأنها في ذلك شأن بقية الدول، حيث حلّت المملكة في المرتبة (58) عالمياً من أصل (180) دولة في مؤشر مدركات الفساد، بحسب منظمة الشفافية الدولية لعام 2018، والمرتبة (11) بين دول مجموعة العشرين الاقتصادية.
ومن هنا عزمت القيادة الرشيدة في بلادنا الغالية على محاربة الفساد؛ وفي هذا السياق جاءت تصريحات متعددة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - في مناسبات مختلفة؛ كقوله: "ليس من الممكن أن نبقى ضمن مجموعة العشرين في حين تنمو بلادنا بهذا المستوى من الفساد"؛ وقوله: "المملكة لا تقبل فسادا على أحد ولا ترضاه لأحد ولا تعطي أيا كان حصانة في قضايا فساد"؛ كما جدَّد سموُّ ولي العهد الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله - ذات العزم والحزم في أكثر من تصريح، وأكَّد على ضرورة محاسبة كلِّ من تورط في قضايا فساد، كائنا من كان؛ وأن المملكة تطمح لأن تكون في مقدمة الدول في مكافحة الفساد؛ وقد تجلَّى هذا العزم الرشيد، والحزم الفريد في خطوات عملية كثيرة، بدأتْ من صدور الأمر السامي الكريم بإنشاء هيئة خاصة بمكافحة الفساد؛ والتي ظلَّتْ تعمل بكل حزم وإصرار، دون تفريق بين فاسد وآخر، فحقَّقت نتائج إيجابية كثيرة؛ من أبرزها استرداد ما يقارب ال(100) مليون دولار إلى الخزينة العامة في وقت قياسي قصير؛ كلّ ذلك تحقَّق بفضل الله ثم بمتابعة حثيثة وإشراف مباشر من قبل سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله -.
وهكذا انتهجت المملكة في السنوات الأخيرة الإصلاح مسيرة حياة، ونهجاً حكومياً لا تراجع عنه، حيث بدأ الإصلاح في معالجة الاختلالات في أجهزة الدولة وتداخل صلاحياتها؛ وكان الدمج والقوننة وإلغاء التشتت عنواناً عريضاً لهذا الإصلاح؛ إذ حول ديوان المراقبة العامة إلى "الديوان العام للمحاسبة" ليكون الجهاز الأعلى للرقابة المالية والمحاسبة في المملكة، كما تم كذلك دمج "هيئة الرقابة والتحقيق" و"المباحث الإدارية" في بوتقة واحدة، وتحت مظلة "هيئة الرقابة ومكافحة الفساد"؛ وذلك لتوحيد الجهود الرقابية وتنظيمها من جهة، ومنحها القوة والصلاحية في الرقابة من جهة أخرى؛ وقد كان من آثار هذا القرار الحكيم: إبراز قيم النزاهة، وتفعيل متطلبات مكافحة الفساد بكافة أشكاله، وتنسيق جهود القطاعين العام والخاص في تخطيط ومراقبة برامج مكافحة الفساد وتقويمها.
* أستاذ فلسفة التاريخ
والحضارة المشارك بجامعة الجوف


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.