أثبتت أغلب الدراسات العلمية وجود ارتباط كبير بين مشاهدة العنف الأسري وكل من الاكتئاب والتوتر، فمن البديهي جداً أن يشعر الطفل بالانزعاج عندما يشاهد أحد الأبوين يضرب الآخر. أعراض كثيرة وتداعيات خطيرة تكون بدايتها من العنف الأسري، ولعل الاكتئاب والتوتر لدى الأبناء أحد أبرز تلك الأعراض، فهنا المعادلة محسومة والنتيجة شبه منطقية، فإذا أطل العنف الأسري بشروره ظهر الاكتئاب والتوتر كنتيجة لاحقة لما فعله الأبوان. ويعرف العنف الأسري بأنه إلحاق الأذى بين أفراد الأسرة الواحدة؛ كعنف الزوج ضد زوجته، أو أحد الوالدين أو كليهما تجاه الأولاد، أو حتى عنف الأولاد تجاه والديهم، وله أشكال عديدة قد تكون اعتداءً جسدياً، أو نفسياً، أو تهديداً، وربما إهمالاً، أو سلب الحقوق من أصحابها، وله مخاطر متعددة ونتائج مدمرة تؤثر في المجتمع وتهدم تماسكه وتدمّر اقتصاده ويعانيه مختلف الدول والشعوب. وتشكل قضايا العنف الأسري أكبر العقبات التي تقف في طريق تقدم الأمم ونموها؛ بسبب آثاره التي تبدأ بالظهور على الصغار والكبار؛ كالقلق والاكتئاب وضعف التحصيل الدراسي وانتشار الجريمة، وهو ما وعته المملكة وأخذت بالتصدّي له عبر القوانين والأنظمة. وأكد د. هادي العرفج - متخصّص في التوجيه والإرشاد النفسي - على أن أغلب الدراسات العلمية أثبتت وجود ارتباط كبير ووثيق بين مشاهدة العنف الأسري وكل من الاكتئاب والتوتر، خصوصاً عند الأطفال بمختلف فئاتهم، مبيناً أنه من البديهي جداً أن يشعر الطفل بالانزعاج عندما يشاهد أحد الأبوين يضرب الآخر وتنتج عن تلك المشاهدات والانفعالات مجموعة من الاضطرابات التي تكون ملاحظة عند الأطفال، مثل التبول الليلي، وصعوبة النوم، مع حدوث كوابيس في أثناء نومهم، وإظهار بعض السلوكيات التي لا تتناسب مع أعمارهم. وقال: طريقة تفاعل المراهقين الذكور وقلقهم تختلف عن الأطفال، فهم يظهرون امتعاضهم وانزعاجهم خارج المنزل بسلوكيات معينة مثل اللجوء إلى حل الخلافات بالعنف والميل والعناد وتعاطي الكحول، وكذلك بعض أنواع الجنوح، وهي نتيجة حتمية للسلوك المتعلم من الأسرة وأضاف أن المراهقات الإناث يملنّ للانعزال عن الناس ومحاولة إخفاء مشاعرهن، وتظهر عليهن علامات القلق والاكتئاب وتدني مفهوم الذات، مما يدفعهن لإظهار الشكاوى الجسدية المختلفة، مع وجود أعراض اضطرابات الأكل؛ مما قد يؤدي إلى تعرضهن لإيذاء أنفسهن أو الانخراط في تناول العقاقير المهدئة. وأشار إلى أن قضايا العنف الأسري بجميع أشكاله سواء الجسدي، أو النفسي، أو غيرها من الأشكال تؤدي إلى اضطرابات نفسية طويلة الأمد تؤثر سلباً في استقرار الطفل النفسي مع ذاته أو أسرته أو مجتمعه أو مهنته المستقبلية، مبيناً أن الطفل الذي يشاهد والده يضرب أمه يمارس السلوك ذاته مع الإناث، وهناك من الدراسات ما تشير إلى أن الآباء المعنّفين لأبنائهم كانوا معنّفين في صغرهم. وذكر أن الضريبة التي سيدفعها المجتمع في حالة عدم تدخله في حل المشكلة كبيرة، تتمثل في تزايد ظاهرة الإساءة للطفل وانتشار العنف والجريمة، مُشدداً على أنه لا بد من توفير الدعم النفسي والاجتماعي للجميع، وتشجيع المجتمع وأفراده على التعبير عن همومه ومشاركة معاناته مع الآخرين، مع التخلص من كلمة "العيب" التي نقولها لمَن يشتكي أو يبكي؛ كما يجب توعية الأسرة بأهمية تعريف أفرادها على حقوقهم وحدودها وواجباتهم المنوطة بهم، وألاّ تستخدم التربية كمظلة تبرّر الإساءة للطفل؛ فالإساءة للطفل جريمة أخلاقية تقتل دافع النجاح وتجر لهم ويلات العُقد النفسية والمشكلات الاجتماعية.