تزخر المملكة بمواقع ومبانٍ أثرية تختزن قصصًا وروايات تشكّل في مجملها رموزًا ثقافية لحقب زمنية مهمة في تاريخ الحضارة الإنسانية، وتؤكّد في الوقت ذاته على عمق الإرث الحضاري للجزيرة العربية. وإلى جانب ما توليه الدولة من اهتمام كبير بهذه المواقع، شارك مواطنون في مختلف مناطق المملكة في جهود رعاية المواقع والمباني الأثرية بمبادرات شخصية ساهموا من خلالها بترميم عدد من المباني والقصور الأثرية والقلاع التاريخية في ثلاثة عشر موقعًا بالمملكة، وشملت جهودهم ترميم مبانٍ ذات استخدامات متنوعة كالمساجد التاريخية والقصور السكنية، والمباني الحكومية، والقلاع العسكرية، والمخازن والأبراج، وجاءت في مجملها كمساهمات شخصية من مواطنين مهتمين بالتراث الثقافي ويرغبون في خدمته. ومن هؤلاء أبناء محمد وعبدالعزيز بن عبدالعزيز الماضي عندما بادروا بترميم "قصر الماضي التاريخي" الذي كان مقراً للإمارة - بروضة سدير – في منطقة الرياض إذ يعود تاريخ بنائه إلى العام 1230ه ، حيث يمثل الطراز المعماري النجدي. وعندما نتحدث عن جدة التاريخية نجد رجل الأعمال المواطن محمد عبد الله شربتلي وابنه سيف الإسلام اللذين قاما بترميم "بيت الشربتلي" بجدة التاريخية وهو بيت تاريخي بناه الشريف عبدالإله مهنا العبدلي عام 1335ه ويمتاز بطرازه المعماري الفريد ووجود رواشين تاريخية مميزة، إضافة لوجوده داخل حدود "جدة التاريخية" المسجلة في قائمة التراث العالمي بمنظمة اليونسكو. وفي حي الصور بالمنطقة التاريخية بينبع بقي "دار الزمعي" مهجوراً لأكثر من 45 عاماً، إلى أن بدأت أسرة الزمعي بترميمه عام 2015م، وكذلك بادر يوسف بن علي الزنيدي بترميم "بيت الزنيدي التراثي" الموجود وسط نخيل محافظة عنيزة بمنطقة القصيم، ويعد من أشهر النزل الريفية لكونه بني قبل مئتي عام. ومن المعروف أن محافظة الأحساء تشتهر بالعديد من المباني الأثرية والتاريخية ما جعل عبدالعزيز بن محمد العبدالقادر يقوم بترميم أحد البيوت التراثية وتحويله إلى فندق تراثي "فندق الكوت" الواقع بجوار مسجد الدبس المقابل لقصر إبراهيم التاريخي في حي الكوت أحد أهم الأحياء التاريخية بمدينة الهفوف. وعلى بعد 16كم من مدينة أبها توجد ثلاثة قصور تتميز بإطلالات ساحرة على كامل المنطقة المحيطة بها لكونها مبنية على سفح أحد جبال عسير، وتعرف ب"قصور أبو سراح" والتي قام بترميمها عبدالعزيز لاحق أبو سراح، وتحمل القصور أسماء مختلفة، حيث يطلق على الأول "قصر وازع" وهو أقدمها ويتكون من 6 طوابق، يجاوره "قصر عزيز" الذي يحتوي على نفس عدد الطوابق، فيما يطلق على الثالث "قصر المصلى" وهو الأحدث ويتكون من ثلاثة طوابق ويستخدم للضيافة. وفي محافظة تيماء ينفرد "قصر الرمان" الذي بدأ بناؤه عام 1335ه واستغرق ثلاثة أعوام، بطراز عمراني مميزة بقي شامخاً لأكثر من 100عام، كشاهد على فترة زمنية عاشتها المحافظة، حيث بني القصر الذي رممه الشيخ نهار بن عبدالكريم الرمان من المواد الطبيعية المتاحة في تلك الفترة ليكون نموذجاً واقعياً ونادراً لأسلوب البناء التقليدي خلال القرن الماضي. وفي حائل رمم سعود النايف الشمري "قصر ومتحف النايف التراثي" الذي يعتبر أحد أقدم البيوت الطينية ويعود بناؤه إلى عام 1171 ه، وكان مضافاً للمسافرين من حائل إلى الجوف والعكس، ليتم تحويله إلى متحف ليصبح معلماً بارزاً في منطقة حائل – مدينة جبة التاريخية - بما يضمه من قطع أثرية تزيد على 2165 قطعة. فيما تولى سلطان عقاب الشمري ترميم "مبنى الجمارك في قرية لوقة" التابعة لمحافظة رفحاء بمنطقة الحدود الشمالية، المعروف بمبنى المالية "الجمارك" والذي كان مركز التبادل التجاري خلال فترة بداية الحكم السعودي، فيما لا يزال بناؤه قائماً على طرازه القديم. ولم تغب هذه المبادرة عن الشيخ أحمد زاهر المشنوي وأولاده الذين قاموا بترميم قرية الشيبا التراثية بمحافظة فيفا، والتي تتكون من عدد من المباني الحجرية مختلفة المساحات والاستخدامات يتوسطها برج أسطواني يبلغ ارتفاعه 9 أمتار تقريباً، فيما توزعت المباني الأخرى ما بين الاستخدام السكني وحظائر للمواشي ومخازن للحبوب. أما "قصر الصميدع" في نجران الذي يعود تاريخ بنائه إلى أكثر من 200 عام؛ فتولى ترميمه المواطن مهدي مانع دوحان وأسرة آل دوحان، وبمساهمة كل من سعود الزهراني وورثة عبدالله بنيان ومحمد القنوت والدكتور محمد جماح وعلي سرحان وسعيدة غرسان جرى ترميم المباني التراثية وحصون "قلعة بخروش بن علاس" بقرية الحسن بالباحة، فيما رمّم نواف الفندي المبنى الأثري بقرية قرقر بمحافظة القرياتبالجوف، والذي يعرف ب"قصر بندر الفندي" الذي تم بناؤه عام 1340ه. وتلتقي هذه الجهود الذاتية مع العمل المؤسسي الذي تشرف عليه هيئة التراث وتسعى من خلاله إلى تعزيز التعاون مع المهتمين بالتراث الوطني من مختلف مناطق المملكة، وتشجيع ودعم الفاعلين من أفراد أو مؤسسات للمساهمة في تطوير قطاع التراث في المملكة.