يرى الكثير بأن الأزمات على اختلاف اشكالها، ما هي إلا بوابة من أجل تعّلم الدروس وإيجاد الحلول لتحسين حياتنا سواءً على المستوى الشخصي أو المهني وحتى على مستوى الشعوب. ولعل أقرب مثال على ذلك هو مواجهة البشرية لتحدي انتشار جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) والتي أثرّت فعلياً على العديد من الأمور المتعلقة في يومنا هذا، وطالت النواحي الصحية والاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية، وأجبرت على إحداث تغيير في السلوك الاعتيادي الذي كنا نعيشه قبل ظهور الفيروس، مثل رفع الوعي بالعادات الصحية واتباع تعليمات التباعد الاجتماعي، إضافةً إلى إيجاد فرصة لتسريع اعتماد بعض الممارسات لتكون هي النمط السائد في العالم، مثل التعليم والعمل والتسوّق عن بعد. وقال تامر مسلم، نائب رئيس قسم الأغذية ومدير عام وحدة الأعمال في منطقة الخليج والمشرق في شركة بيبسيكو، " لو نظرنا بالتحديد إلى التسوّق عن بعد أو بصورة أشمل "منظومة التجارة الإلكترونية"، سنجد أنها تتطور بشكل متسارع خصوصاً مع الظروف والأزمات، وذلك نتيجة لتكيّف المستهلكين مع المتغيرات ورغبتهم في بديل يكون أكثر أمناً وشمولاً من التجارة التقليدية، ففي المملكة العربية السعودية، مكنّت الإجراءات الاحترازية التي طبقتها الحكومة بسبب انتشار الجائحة إلى إحداث تغيير ملحوظ في أسلوب المستهلك سواء من ناحية التسوّق للمواد الغذائية والمواد الاستهلاكية وحتى إيصال الطلبات، وعلى إثر ذلك نمت نسبة الاعتماد على التجارة الإلكترونية في السعودية خلال شهري مارس وأبريل من العام الجاري بنسبة 74%، مقابل انخفاض في نمو تجارة التجزئة (المباشرة) بنسبة 30% لنفس الفترة بحسب تقرير شركة المدفوعات السعودية المملوكة ل"ساما". وأضاف، صحيح أن هذا النمو الملحوظ لقطاع التجارة الإلكترونية في المملكة سببه ظهور فيروس كورونا، لكن يجب أن لا نغفل ايضاً عن دور السعودية في تطوير هذا القطاع منذ فترة طويلة. إذ مكنّت خطط المملكة لهذا القطاع من جعلها تحقق تقدماً ملحوظاً في مؤشر الأممالمتحدة للتجارة الإلكترونية والصادر عن مؤتمر الأممالمتحدة للتجارة والتنمية (UNCTAD)، حيث جاءت السعودية ضمن أفضل عشرة دول للاقتصادات النامية في مؤشر التجارة الإلكترونية خلال العام 2019، وهو ما يتماشى مع مستهدفات برنامج تطوير القطاع المالي – أحد برامج رؤية 2030 – والذي يسعى لزيادة نسبة التعاملات الإلكترونية إلى 70% بحلول عام 2030. ونوه ألي أن الوصول إلى هذا الهدف يستلزم تضافر الجهود من كلا القطاعين العام والخاص، أصبح من الضروري للعديد من الأعمال البدء بخطوات جادة في اعتماد التجارة الإلكترونية، إذ أن تزايد عدد العمليات الإلكترونية بصورة مفاجئة خصوصاً في وقت الأزمات قد يشكل عقبات للعديد من الشركات، خصوصاً على تلك المتاجر التي لم تكن تعتمد على التجارة الإلكترونية بشكل أساسي، فبينما يعيد المستهلكون النظر اليوم في كل شيء بداية من مواردهم المالية وصولًا إلى حرياتهم ولياقتهم البدينة وتفضيلات التسوق وتجارب الشراء، نجد أن شراء المأكولات والمشروبات من الأمور الاساسية التي لم يتغير حجمها ولكن تغيرت طريقة ممارستها. خاصة لو علمنا أن قيمة سوق المأكولات والمشروبات في المملكة يبلغ حالياً حوالي 45 مليار دولار أمريكي، ويتوقع أن تنمو معدلات الإنفاق على المأكولات والمشروبات بواقع 6% سنوياً خلال السنوات الخمس المقبلة ليكون الأكبر في منطقة الشرق الأوسط، بحسب توقعات وزارة الاستثمار السعودية" واستطرد، " بناءً على هذه الأرقام، تظهر حاجة الشركات المختصة بتصنيع المأكولات والمشروبات إلى قبول الانتقال نحو التجارة الإلكترونية وتبنيها. إذ أن أكبر التأثيرات على المدى الطويل لفيروس كورونا تتجسد في تسارع التوجه نحو التسوّق عبر الإنترنت. حيث تساعد الاجراءات المتخذة لتطبيق حلول التجارة الإلكترونية في المحافظة على ثقة المستهلك وتمكينه من الوصول إلى المنتجات الغذائية، وايضاً تمكين اعمال تلك الشركات من تجاوز التبعات التي فرضها انتشار الفيروس وأثر على العديد من الأمور مثل سلاسل الإمداد واستمرارية النشاط نفسه، مع أن التحوّل نحو التجارة الإلكترونية يتطلب وجود بنية تحتية رقمية موثوقة وقادرة على استمرارية هذا النشاط، إلا أننا لاحظنا أن العديد من المنصات على مستوى منطقة الخليج العربي قد استطاعت التكيّف والاعتماد الكلي على التجارة الإلكترونية في ذروة الموجة الأولى للجائحة، ودون الحاجة للاستثمار بشكل كبير في حلول تكنولوجيا المعلومات. فعلى سبيل المثال، مكّنت شركة بيبسيكو بشراكتها مع مزودي خدمات التوصيل من تسهيل عملية الحصول على المنتجات التي يحبها المستهلكون بكل سهولة، وبأقل قدر ممكن من الانقطاع. وفي مثال آخر، قامت منصات مثل "انستاشوب Instashop" بتغيير نموذج أعمالها للتكيف مع هذا الوضع الاعتيادي الجديد من خلال توسيع مجال عملها من توصيل مواد البقالة إلى توصيل المستحضرات الدوائية ومستحضرات التجميل والطعام ومستلزمات الحيوانات الأليفة. وبالمثل، قامت منصة "طلبات" بإطلاق خدمة "طلبات سمارت" لتوصيل البقالة على مدار الساعة وطيلة أيام الأسبوع، والمتوفرة عبر تطبيق "طلبات" نفسه الذي يقدم خدمة التوصيل خلال 30 دقيقة كحدّ أقصى. وأكد في ختام كلامه، بأن مفهوم التجارة الإلكترونية سيغير المشهد العالمي لمفهوم التسوق بشكل كلي وخلال وقت قصير، لكن هذا التغيير بحاجة إلى بناء المنظومة المناسبة له واختبارها وتحسينها، والاستثمار في المواهب المناسبة، ودمج ذلك مع بيانات المستهلك لتقديم عرض فريد وملائم للمستهلك.