منذ بداية جائحة الكوفيد-19 الذي تسببه عائلة الفيروسات التاجية (الكورونا) والأبحاث العلمية جارية على قدمٍ وساق لفهم هذه السلالة الجديدة التي أحدثت كل هذه الفوضى العالمية، حتى هذه اللحظة، تجاوز عدد الإصابات ال 63.8 مليونا في جميع أنحاء العالم مما يؤكد على سرعة انتشار الفيروس عن طريق انتقاله من شخص إلى آخر، إلا أنه لوحظ التباين في شدة أعراض المرض بين الأفراد ما جعل الكثير من العلماء يرجحون فكرة أن التركيب الجيني للمريض قد يلعب دوراً إضافياً في تحديد شدة الاستجابة للفيروس بالإضافة إلى العوامل الخارجية الأخرى. ومن المعروف أن العمر المتقدم، والحالة الصحية للمريض من أهم العوامل التي تحدد شدة الأعراض عند الإصابة بفيروس كورونا المستجد، فالأشخاص الذين يعانون - على سبيل المثال - من أمراض القلب أو أمراض الكلى أو أي أمراض مزمنة تجعلهم أكثر عرضة للإصابة بمضاعفات خطيرة، إلا أنه لوحظ إصابة بعض الشباب الأصحاء بنفس هذه الأعراض الشديدة، وقد تحدث مضاعفات جانبية مصاحبة مثل الإصابة بالسكري والتجلطات الدموية وبالكاد ينجون من المرض، بالمقابل هناك بعض كبار السن الذين يعانون من عوامل خطر متعددة ومع ذلك استطاعوا تحمل الإصابة بالفيروس والتعافي منه. إذن ما سبب هذا التباين وما الذي يجعل بعض الأشخاص أكثر عرضة للإصابة بكوفيد-19 من غيرهم؟ ما الدور الذي تلعبه الجينات في تحديد الاستجابة المناعية وشدة أعراض الإصابة بالعدوى الفيروسية؟ وجد العلماء أن اختلاف التعبير الجيني للبروتينات التي ترتبط بشكل مباشر بالفيروس يلعب دوراً أساسياً في تفسير هذا الاختلاف في الاستجابة المناعية بين الأفراد المصابين به، على سبيل المثال بروتين ACE2 وهو البرويتن المسؤول عن ارتباط الفيروس بالمستقبلات الخلوية والتي تعتبر بوابة لدخول الفيروس إلى داخل الخلية ومن ثم استغلال الآلة الحيوية للتكاثر وإنتاج آلاف الفيروسات، مما يؤدي إلى إحداث الإصابة. لاحظ العلماء أن هناك اختلافا في التعبير الجيني لهذا البروتين ACE2 بين الأشخاص المصابين بفيروس كورونا مما يؤدي إلى اختلاف في مستوى ارتباط الفيروس بالمستقبلات الخلوية ومن ثم اختلاف في مستوى ظهور الأعراض المرضية والتي تتفاوت ما بين الأعراض الشديدة إلى الطفيفة. ولا تزال الأبحاث مستمرة للتوصل إلى فهم واضح لأسباب تلك الاختلافات الجينية الفردية وحساسية الاستجابة لفيروس كورونا المستجد. كذلك تكمن أهمية هذه الأبحاث في تحديد الجينات التي تلعب دوراً مهماً في التفاعل المباشر مع الإصابة الفيروسية واستهدافها كلقاح محتمل لمواجهة الفيروس وإيقاف نشاطه بشكل نهائي. الجدير بالذكر أن تفشي هذه الجائحة أدى إلى زيادة مفاجئة في عدد الأبحاث العلمية، والمملكة العربية السعودية وحدها تحتل المرتبة ال 22 عالمياً بإسهامها بإنتاج 1 % من البحوث العالمية المتعلقة بالجائحة، حيث وصلت عدد الأوراق العلمية المنشورة ما يقارب ال 300 ورقة علمية في قاعدة بيانات العلوم.