السياحة في حد ذاتها ليست مجرد تنقل من مكان إلى آخر بغية الراحة والترفيه والتنزه والمتعة والاستجمام والترويح عن النفس فحسب بيد أنها في الوقت ذاته علم واستطلاع وخبرة ومعرفة واستزادة بما يحيط بالإنسان من بيئات ذات معالم ومظاهر وسمات وأنماط وثقافات مختلفة. لذا جاء الإعلان من قبل صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، (رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة) عن إطلاق مشروع سياحي عالمي في المملكة تحت مسمى «مشروع البحر الأحمر»، يقام على أحد أكثر المواقع الطبيعية جمالاً وجاذبية وتنوعًا في العالم لتطوير منتجعات ومرافق سياحية استثنائية على أكثر من خمسين جزيرة طبيعية بين مدينتي الوجه وأملج وعلى بُعد مسافات قليلة من إحدى المحميات الطبيعية في المملكة والبراكين الهامدة في منطقة حرة الرهاة، وسيشكل المشروع وجهة سياحية جاذبة تحتضن عددًا من الجزر البكر في عرض البحر الأحمر، مما يستهوي عشاق الغوص من استكشاف الشعاب المرجانية الوفيرة في هذه الجزر والمياه المحيطة بها. ومما سيزيد الموقع جاذبية هو قرب آثار مدائن صالح التي تمتاز بجمالها التراثي العريق وقيمتها التاريخية الكبيرة. وإذ تُعد السياحة أحد أهم القطاعات الاقتصادية في رؤية 2030 فإن هذا المشروع سيسهم في إحداث نقلة نوعية وميلاد واجهة عالمية في مفهوم السياحة، كما سيتم ترميم المواقع التراثية التاريخية وتجهيزها على أسس ثقافية علمية لتكون مهيأة لاستقبال الزوار تماشيًا مع أفضل الممارسات والمناهج العالمية في مجال السياحة والآثار، كما أن ثمة معايير جديدة ستطبق للارتقاء بالسياحة والوصول بها لمستوى العالمية عبر فتح بوابة البحر الأحمر أمام العالم بغية التعريف بمحتوياته وكنوزه وخوض مغامرات جديدة تجذب السياح محلياً وإقليمياً وعالمياً على حد سواء مما يمكّن هذا المشروع السياحي ليكون بحق مركزًا لكل ما يتعلق بالترفيه والصحة والراحة والاستجمام ونموذجًا متكاملاً للبيئة الصحية الحيوية المتكاملة. وحيث إن مشروع «البحر الأحمر» يشكل تجسيدًا عمليًا لأحد محاور رؤية 2030 فسيصبح بلا شك وجهة رائدة لسياحة الاستجمام والأنشطة الرياضية المختلفة وسيتيح استكشاف طبيعة المملكة من جزر وسواحل وبراكين هامدة وآثار تاريخية تليدة ليصبح بوابة البحر الأحمر أمام العالم، ويتم تطويره وفقًا لأعلى المعايير السياحية العالمية. ويتوقع مستثمرون في قطاع السياحة أن ترفع المشروعات السياحية الناتج المحلي بنحو ثلاثين مليار ريال، وتتيح مئة ألف وظيفة للشباب السعودي، كما ستجذب ما يقارب مليون سائح سنويًا مما يضع المملكة في مصاف الوجهات السياحية العالمية، مرجعين ذلك إلى المزايا التي تتمثل في أهم عوامل الجذب وهما الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي تحظى به المملكة بفضل الله إلى جانب أن الاستثمار في هذا القطاع يحقق عائدًا اقتصاديا مجزيًا مم يشجع المستثمرين الأجانب ويجذبهم لزيادة الاستثمارات في الاقتصاد السعودي. سيقوم صندوق الاستثمارات العامة بضخ الاستثمارات الأولية في هذا المشروع فاتحًا المجال لإيجاد فرص وظيفية للسعوديين وإبرام عقود تعاقدية مع المقاولين السعوديين، مع السعي نحو استقطاب توجيه مصروفات السياحة السعودية الخارجية وإعادتها إلى الداخل. كما سيستقطب المشروع أهم الأسماء الرائدة عالميًا في قطاعَي السياحة والضيافة لتوظيف خبراتها وكفاءاتها واستثماراتها المالية في إثراء جوانب هذا المشروع الحيوي وتعظيم المكاسب الاقتصادية للمملكة. لذا فإن هذا المشروع سيعزز من مكانة المملكة عالميا، ويضعها على خريطة السياحة العالمية، باستقطابه السياح من كافة الدول، كما سيجذب الاستثمار والإنفاق المحلي والخارجي، مع زيادة الناتج المحلي بمعدل 15 مليار ريال سنويا مما يحقق مكاسب تنموية ضخمة بمشيئة الله. ولدى المملكة توجه قوي نحو استغلال الطاقة الشمسية المتجددة من أجل تلبية ثلث احتياجاتها من الوقود بحلول العام 2032، لتتربع بذلك على عرش أكبر منتج للطاقة الشمسية في العالم، إلى جانب كونها أكبر منتج للنفط في العالم، فيما يرى اقتصاديون أن النجاح في هذا المجال سوف يمنح الاقتصاد السعودي طفرة جديدة، ويمثل منعطفاً جديداً. لذا فإن مشروع البحر الأحمر سيستفيد من هذه الطاقة المتجددة النظيفة وعديمة المخلفات مما يجعله مشجعًا ومحفزًا للجذب السياحي والاستثمار في مجال السياحة. وفي سياق الجذب السياحي يمكن للمملكة أن تستشف من خلال تجارب دول عرفت بالجذب السياحي وتوفر المقومات اللازمة له ما يمكنها من استنساخ تجارب سياحية عالمية يمكن تبنيها وتطبيقها في مشروعها السياحي «مشروع البحر الأحمر» فكثير من الدول لديها مقومات سياحية تتفوق بها لجذب أكبر عدد من السياح على دولة أخرى، والمهتمون بشؤون السياحة يقسمون عناصر الجذب السياحي إلى نوعين هما: عوامل الجذب الطبيعي، مثل: البيئة الطبيعية كالجبال والأنهار والشلالات والبحار والغابات والصحاري والمناخ وغيرها، والنوع الثاني: العوامل البشرية، مثل: العادات والتقاليد والفنون والقوانين والتشريعات وأنماط الحياة والآثار القديمة والعمران القديم والحديث والصناعات اليدوية والحرفية وغيرها. ولا شك في أن المملكة تتمتع بالعديد من المقومات السياحية الفريدة نتيجة لتنوع الطبيعة الجغرافية واختلاف المناخ من منطقة إلى أخرى إلى جانب المواقع التاريخية التي تزخر بها في أكثر من موقع مما يجعلها مقصداً للسياحة الثقافية والتاريخية والدينية. ولعل هذا المشروع الفتيَّ يحقق إنجازا تنمويًّا اقتصاديًا فاعلاً يضع المملكة على الخارطة السياحية العالمية ويجعل أفواج السياح تتقاطر عليها من كل حدب وصوب للمشاهدة والاستمتاع بما تحتضنه من مواقع سياحية ممتعة إلى جانب تشجيع السياحة الداخلية وتوفير الأموال الطائلة التي تصرف في السياحة الخارجية.