السنة في كلام العرب: الطريقة. وفي الشرع: ما أُثر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من قول أو فعل أو تقرير. قال الشاطبي: "كلُّ ما أخبر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من خبر، فهو كما أخبر، وهو حق وصدق معتمدٌ عليه فيما أَخبر به وعنه". وقال القرطبي عند قوله تعالى: «وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى»: (وفيها أيضاً دلالة على أن السنة كالوحي المنزل في العمل). وقد فَرَضَ الله سبحانه وتعالى وأوجب في كتابه اتباعَ سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، قال الشافعي -رحمه الله تعالى-: (فَرَضَ الله على الناس اتباعَ وحْيِه وسننِ رسوله. فقال في كتابه: «رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ». إلخ. قال الشافعي: فَذَكَرَ الله الكتابَ، وهو القُرَآنُ، وَذَكَرَ الحِكْمَةَ، فسمعتُ مَنْ أرْضى من أهل العلم بالقُرَآن يقول: الحكمة سنة رسول الله. وقال ابن عبد البر: "وقد أمر الله عز وجل بطاعته واتباعه أمراً مطلقاً مجملاً لم يقيَّد بشيء، ولم يقل ما وافق كتاب الله كما قال بعض أهل الزيغ. ولما قيل لِمُطَرِّفِ بن عبدالله: (لا تحدثونا إلا بالقرآن) قال: (والله ما نريد بالقرآن بدلاً، ولكن نريد من هو أعلم بالقرآن منا)، وكذلك عمران بن حصين رضي الله عنه لما قال له رجل: (إنكم تحدثوننا بأحاديث لم نجد لها أصلاً في القرآن) فغضب عمران وقال: (إنك امرؤ أحمق، أتجد في كتاب الله الظهر أربعاً لا يجهر فيها بالقراءة؟ ثم عدد عليه الصلاة والزكاة ونحو هذا، ثم قال: أتجد هذا في كتاب الله مفسَّرا، إن كتاب الله أبهم هذا، وإن السنة تفسر ذلك). وليعلم كل مسلم أن التشكيك في السنة تشكيكٌ في القرآن، ومن ثَمَّ تشكيكٌ في دين الإسلام رأسًا، والتشكيك في كتب السنة ولا سيما الصحيحين تشكيك في السنة كلّهَا، وقد تلقت الأمة كابراً عن كابر أحاديث الصحيحين بالقبول والرضا، والبخاري ومسلم سلكا في صحيحيهما طرقاً بالغة في الاحتياط والإتقان، وهما إمامان كبيران جهبذان في إتقان الصنعة الحديثية بكل ما تعنيه الكلمة من معان وما تحويه من دلالات. وختاماً فإنه لا شك ولا ريب في أن السنة محفوظة، وأنها ستبقى محفوظةً ما بقي دينُ الإسلام، إلى قيام الساعة، قال تعالى: «إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون».