أكدت كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- في افتتاح قمة مجموعة العشرين، على ضرورة التعاون والتنسيق الدولي لمواجهة التحديات التي تواجه العالم حيث ذكر في كلمته بأنه على ثقة بأن الجهود المشتركة سوف تؤدي لآثار مهمة وحاسمة وإقرار سياسات اقتصادية واجتماعية من شأنها إعادة الاطمئنان والأمل للشعوب، وكذلك اغتنام فرص القرن الحادي والعشرين للجميع، والذي يتضمن ثلاثة محاور رئيسة هي: تمكين الإنسان والحفاظ على كوكب الأرض وتشكيل آفاق جديدة، كما يعكس ذلك، إيمان المملكة بأهمية العمل الجماعي كأفضل سبيل لمواجهة الأزمات العالمية، وفي مقدمتها جائحة كورونا المستجد. وقال أمين مجلس إدارة جمعية الاقتصاد السعودي د. أحمد بن ناصر الراجحي: يعد وجود المملكة ضمن هذه المجموعة إدراك وتقدير دولي لدورها المحوري في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والمالي العالمي والذي يحتاجه العالم أكثر من أي وقت مضى، وهو أمر طبيعي فالمملكة فهي أكبر دولة مصدرة للنفط كما أن لديها قدرة إنتاجية تصل إلى 12.5 مليون برميل في اليوم، وتحوي أراضيها أكبر احتياطيات من النفط التقليدي، وهذه الميزات تعطي المرونة في تعديل حجم إنتاجها وفق الظروف المستجدة ويجعلها بمثابة صمام أمان للسوق، مما يدعم التزام المملكة بتحمل مسؤوليتها الدولية وأيضاً تحقيق مصالحها الوطنية. وتابع الراجحي: تمثل مجموعة العشرين نموذجاً حديثاً للتعاون الدولي، حيث تشمل ليس فقط الدول المنضوية تحتها، ولكن أيضاً جهات دولية مهمة مثل الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، ولقد كانت دعوة السعودية لقمة استثنائية في مارس الماضي لمواجهة جائحة كورونا، دوراً لتخفيف الآثار الصحية والاقتصادية والاجتماعية، حيث تعهدت المجموعة حينها بضخ 5 ترليون دولار كما قدمت المملكة دعماً مالياً لمنظمة الصحة العالمية لمواجهة الجائحة، كما دعت للقمة منظمات أخرى مثل منظمة التجارة الدولية ومنظمة الأغذية والزراعة ومنظمة العمل الدولية وغيرها، وسيذكر التاريخ أن هذه الإجراءات كانت عاملاً حاسماً في نجاح قمة العشرين، في التعامل مع جائحة فيروس كورونا، والتي كان يعود الفضل في ذلك لدور المملكة الفعال في تضافر الجهود الدولية وتجنيب العالم الدخول في أخطر أزمة اقتصادية تحدث بعد أزمة الكساد الكبير. وأضاف: «لقد نجحت الجهود الحالية لمجموعة العشرين والتي ترأسها المملكة حالياً بتوفير مليارات الدولارات للتخفيف من أعباء الدين للدول الفقيرة، وكذلك الالتزام في تقديم التحفيز المالي الذي وصل حجمه لنحو 11 تريليون دولار وعشرات المليارات من الدولارات والمساعدات العاجلة لضمان عدم انقطاع سلاسل الإمدادات في مجال الأجهزة والمستلزمات الطبية للحد من انتشار الوباء، لذا يمكن القول: إن هذه القمة قد تمكنت بنجاح من التعامل مع الجائحة باعتبارها أزمة صحية واقتصادية ومالية عابرة للحدود، ولقد ذكرت كلمة خادم الحرمين الشريفين، بوضوح ضرورة فتح الاقتصادات والحدود لتسهيل حركة التجارة الدولية والافراد، ولكن أيضاً في الوقت نفسه العمل على حماية الأرواح، والعمل على تقديم الدعم للدول النامية مع الحرص على تقديم اللقاحات عند توفرها بشكلٍ عادلٍ وبتكلفةٍ ميسورة لهذه الدول خاصة الفقيرة منها، على الرغم من الأثر الكبير الذي تسببت به جائحة كورونا على الاقتصاد الدولي، إلا أن القمة برئاسة المملكة لم تركز فقط على سبل تجنيب دول المجموعة تداعيات الأزمة الحالية، بل اهتمت بالإنسان ودعم الدول النامية وتعزيز صمود اقتصاداتها تجاه الجائحة. قمة استثنائية وقال المحلل الاقتصادي علي الحازمي: قمة العشرين قمة استثنائية، والمملكة قادرة أن تقود مثل هذه القمم في أي مكان وفي أي زمان، وإذا رجعنا تاريخياً للقمم السابقة لم يحدث فيها ظرف تاريخي ولا ظرف استثنائي وعلى الرغم من هذا لم تكن بحجم النجاحات التي حققتها المملكة في هذه القمة. وتابع: « كان هناك استشعار ليس للمملكة فقط وليس لدول الخليج فقط وليس للعالم العربي بل استشعار لجميع شعوب الأرض، فخادم الحرمين الشرفين تحدث بلسان شعوب الأرض، وتحدث لقادة العالم أن يضعوا أمام أعينهم مصالح الشعوب فالوضع لا يتحمل أي صراعات سياسية واقتصادية، وأن الدول الفقيرة والدول النامية لابد أن تنعم بفرص النمو وتنعم بوضع صحي أفضل. ولقد لاحظنا أن هذه القمة وقبل حدوثها، كان هناك الكثير من الاجتماعات واللجان التي ركزت على الجانب الصحي ولم تغفل الجوانب الأخرى، مثل البيئة التي كانت حاضرة، وكذلك انسيابية التجارة العالمية، وإذا كان لدينا اقتصاد صحي فهو يعني توفر فرص وظيفية للإنسان، وإذا كان لدينا بيئة اجتماعية جيدة هذا يعني وضعاً صحياً ووضعاً اقتصادياً جيداً وإذا تحدثنا عن البيئة هذا يعني خلق أجواء صحية ملائمة للمعيشة فيها من غير أمراض، وإذا شاهدنا الدعوة إلى انسيابية التجارة العالمية نجد أن الإنسان هو المحرك الأساس لها، وإنسانية التجارة العالمية تعني نمو اقتصادي عالمي مما سينعكس إيجاباً على الإنسان بشكل عام، ومهما اختلفت المحاور وتعددت إلا أن المحور الأساس يعد هو الإنسان. وأضاف: تحدث خادم الحرمين الشريفين عن التأهب واستشراف المستقبل لمثل هذه الكوارث الصحية، وكيف أن الوضع الصحي يؤثر على اقتصاد العالم؟ وكان هذا المحور حاضراً في القمة لسنة 2018 وسنة 2019 في اليابان، ولنكن منصفين لم تؤخذ بشكل جيد وشكل كبير لأنه من خلال تأسيس هذه المجموعة منذ العام 1999 لم تحدث أزمة صحية دعت قادة العالم للتفكير بشكل منطقي للأوضاع الصحية بشكل كبير، وحتى لو ذهبنا لدول إفريقيا وهي حقيقة دول مليئة بالأمراض مثل الملاريا والكوليرا كان من يهتم بهذا الملف هي جمعيات خيرية ومنظمات عالمية كمنظمة الصحة العالمية، والدول كانت تشارك ولكن ليس بالمستوى المأمول منها، ربما هذه الجائحة اليوم، أكدت أن استشراف المستقبل لمثل هذه الفايروسات وإيجاد مراكز بحثية لدعم الأبحاث هو من أجل الإنسان، والأزمات ليست شراً كلها فأحياناً بعض الأزمات تولد فرصاً تعيد الوضع العالمي إلى وضعه الطبيعي. وأوضح الحازمي، أن هذه القمة ركزت على الوضع الصحي وتأثيره على الاقتصاد واستشراف المستقبل في هذا الأمر، كما اهتمت كلمة خادم الحرمين، بالمرأة والشباب وهما المحركان الأساسيان للنمو الاقتصادي والمحركان الأساسيان لفرص القرن 21، ونتحدث اليوم عن ثورة صناعية رابعة يلعب فيها الذكاء الصناعي وإنترنت الأشياء والبيانات الضخمة دوراً كبيراً لذلك الاهتمام بهذا الجيل وخلق فرص وظيفية لهم معنية باختراعات الجيل الرابع هو أمر مهم لن نستطيع إغفاله في أي مبادرة أو مهمة اقتصادية بشكل كبير. ويرى الحازمي، أن مخرجات هذه القمة ستكون مختلفة عن القمم السابقة، ويجب أن تفعل على أرض الواقع، فهذه القمة مختلفة واستثنائية، ونعدها نقطة الانطلاق لقمة العشرين بشكل فعلي، ويتوقع أن لا يقل تفعيل مبادراتها عن 95 %، في إشارة إلى أن القمم القادمة ستكون جدية وتأخذ الإنسان في عين الاعتبار، ومصالح الشعوب بشكل حقيقي، ويأتي حماية كوكب الأرض على سلم هذه الأولويات، والتلوث بجميع أشكاله سواء كان ناتجاً عن الشركات أو الهواء أو البحار، واليوم، المملكة وشركة أرامكو مثلاً القائدة للنظام الكربوني الجديد، ونحن إذ نتحدث عن الاقتصاد الدائري للكربون فشركة أرامكو إن لم تكن الأولى فهي واحدة من أوائل الشركات التي تبنت مثل هذه الاستراتيجية، لذلك قال خادم الحرمين الشرفين: «نحن بدأنا بهذا الأمر» أي اتبعونا، وهذا دائماً ديدن القادة عندنا ينصحون بشيء، وهم أول من يفعل هذا الأمر، لذلك أغلب المبادرات التي تحدثت عنها المملكة، هي أول من تصدر المشهد فيها مثل دعم الدول الفقيرة والدول النامية، وكذلك قضايا المناخ فالمملكة تنظر لها بعين الاعتبار. وأضاف المحلل الاقتصادي أحمد الدعيج: لقد احتوت كلمة خادم الحرمين الشريفين العديد من المضامين، لتؤكد أن التنوع الثقافي هو أحد المكاسب المهمة التي يجب أن توظف لإيجاد حلول للقرن الحادي والعشرين، كما أكد -حفظه الله- أن الشباب هم عصب المجتمع النابض بالحياة وهم المستقبل في مختلف دول العالم لطرح رؤى مهمة في تشكيل السياسات والتوصيات للقادة، كقيادات شابة لمستقبل واعدٍ، وأن المحافظة على الإنسان وحياته وكرامته من أهم أولويات قادة دول مجموعة العشرين. وفيما يخص الظروف الاستثنائية التي يمر بها العالم في ظل جائحة كورونا، فقد أكد الملك سلمان -رعاه الله- أن تركيز مجموعة العشرين في الفترة المقبلة سيكون على ناحيتين رئيسيتين، وهما: حماية الأرواح، واستعادة النمو لتجاوز الجائحة. ولاشك أن قمة الرياض تتطلع إلى الخروج بحلول ومبادرات تعزز دور مجموعة العشرين فيما يتعلق بالاستجابة الدولية الموحدة لمواجهة جائحة كورونا وآثارها الاقتصادية والمالية والاجتماعية، كما يفخر المواطن السعودي بالجهود العظيمة المستمرة لحكومة المملكة التي مكنت ضيوف الرحمن من أداء الحج والعمرة برعاية صحية فائقة، وتجاوز الكثير من مصاعب الجائحة اقتصادياً وصحياً ومالياً بنجاح متميز. وأخيراً، فإن كلمة خادم الحرمين الشريفين، أوجدت خطة عمل جادة للمهتمين كافة حول العالم لبحث وتنفيذ أولويات العمل المنظم لمعالجة تداعيات الأزمة العالمية في مناطق العالم جميعها، وبما يحقق ضمان توفر الإمدادات والمعدات الطبية اللازمة للدول كلها بما فيها النامية والأقل نمواً، وهو ما أوجد استجابة كبيرة من قادة العالم من خلال التزامهم بمواجهة تداعيات جائحة فيروس كورونا المستجد بهمة موحدة، والتعهد بضخ 5 تريليونات دولار في الاقتصاد العالمي، والتعامل مع الفايروس من قبل دول العالم باستجابة دولية قوية منسقة وواسعة المدى. أحمد الدعيج علي الحازمي