مما لا شك فيه أن معيار نجاح أي تجربة سياسية جديدة تكمن في مدى قدرتها على إحداث تغييرات جوهرية في بنية الدولة ومؤسساتها تتوافق وتتواكب مع تلك الرؤية الطموحة الجديدة لإحداث التغيير المنشود، فالقضية إذن تعتمد بشكل أساس على مدى القدرة على التغيير، أكثر من اعتبار وسيلة أو وسائل وأدوات معينة هي الأفضل لإحداث التغيير في تلك المرحلة، كما تبدو أهمية أن تتأتي عملية الإصلاح من داخل المؤسسات ذاتها، عن طريق طرح بدائل ونماذج إصلاحية تكون الهدف الذي يسعى الجميع إلى تحقيقه. جاء سيدي سمو الأمير محمد بن سلمان حاملاً معه كل تلك الهموم التي لا تنتهي، وملماً بجميع القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة السعودية، ومنذ أول يوم وهو يعمل في جميع الاتجاهات في وقت واحد، فلم يهتم بقضية على حساب أخرى، كما لم يهتم بقطاع من قطاعات الدولة على حساب آخر، بل وجه جهده كله ووقته كله لعملية إصلاح متوازي يشمل جميع القطاعات في نفس الوقت. إن دلالة الأرقام التي أدلى بها سيدي ولد العهد الأمين في حديثه ما هو إلا دليل على مدى الجهد الجبار الذي تم بذله خلال السنوات الثلاث الماضية، التي لا تعتبر في عمر الدول شيئاً مذكوراً، لكن المرء يتعجب ويقف وقفة إجلال وإكبار لهذه الطفرة الهائلة والنتائج المبهرة التي تحققت خلال فترة وجيزة جدًا من الزمان. طوّف بنا سمو ولي العهد في مختلف القطاعات، ونحن هنا لن نتكلم عن الأرقام التي ذكرها سموه، بقدر حديثنا عن دلالتها الموحية والمشعرة بالقيادة الاستثنائية لسموه، وبالنتائج التي تحققت على أرض الواقع، فقد تكلم سموه عن ارتفاع قيمة الناتج المحلي غير النفطي رغم تحديات كورونا التي يشهدها العالم منذ نحو عام وتأثيرها على دول العالم، ومدى نجاح المملكة في التعامل مع التبعات الاقتصادية التي خلفتها هذه الجائحة، وعن مدى النمو الذي يشهده هذا القطاع، كما تحدث عن نسبة البطالة وانخفاضها المتتالي، وعن إصلاح سوق العمل في هذا الصدد بما شهده من تمكين للمرأة السعودية والذي تضاعفت مشاركتها فيه من 17 % إلى 31 %، فضلاً عن إعادة هيكلة العلاقة التعاقدية بالنسبة للوافدين بما يحافظ على حقوقهم من ناحية، ويساهم في تصحيح أوضاع احتياجات سوق العمل من ناحية أخرى.. كما أشار سموه إلى قضية تملك السعوديين للمساكن وكيف صعدت نسبة التملك لتصل إلى نسبة 52 % العام 2020، كما تطرق سموه إلى التطور الذي حدث في القطاع الرقمي وأن المملكة حققت المركز الأول على مستوى دول مجموعة العشرين في السنوات الثلاث الماضية، كما أكد سموه على أهمية الدور الذي قام به صندوق الاستثمارات العامة في تنمية الاقتصاد السعودي وأنه بات المحرك الأساسي للتنمية، وكيف تم مضاعفة حجمه ليصل إلى نحو 1,3 تريليون دولار، وكيف تجاوز العائد على الاستثمار منه إلى أرقام خيالية توفر للدولة مداخيل مستديمة لم تكن موجودة من قبل، وعرج سموه على النقلة النوعية التي تشهدها بعض القطاعات الجديدة السياحية والثقافية والرياضية والترفيهية وغيرها، والتي ساهمت في توظيف مئات الآلاف من السعوديين والسعوديات، وكذلك تكلم سموه عن تأسيس هيئة للفضاء، كما نوه سموه على جهود المملكة في مكافحة الإرهاب واستئصاله من جذوره، مع التأكيد على الرفض الكامل لأي محاولة من شأنها الربط بين الإسلام والإرهاب. وفيما يخص المواجهة الجذرية لمنظومة الفساد الممنهجة ومحاسبة صناعها، والتي ضربت بأطنابها في الجهاز الإداري في العقود الماضية واستشرت واستفحلت وباتت سرطانا لا يمكن السيطرة عليه أو حتى الاقتراب منه، أشار سموه إلى أن مجموع متحصلات تسويات مكافحة الفساد بلغت 247 مليار ريال خلال السنوات الثلاث الماضية وهو يمثل 20 % من إجمالي الإيرادات غير النفطية إضافة إلى عشرات المليارات التي تم نقلها إلى وزارة المالية من عقارات وأسهم. ولا يخفى على أحد أن ما تحقق وما سيتحقق، ما كان له أن يرى النور دون رعاية دائمة وإشراف مستمر من مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، حفظ الله مملكتنا ومليكنا وولي عهده الأمين. *محامي ومستشار قانوني