عزّز المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن - طيب الله ثراه - العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة الأميركية في لقائه التاريخي مع الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت 14 فبراير 1945م، وذلك بعد مرور 12 عاماً من توقيع اتفاقية تعاون بين الجانبين، لتنتقل العلاقات في اللقاء التاريخي لمرحلة التحالف الاستراتيجي على الصعد والمجالات كافة، مما يدلّ على عمق السياسة الخارجية للمملكة، وارتكازها على المبادئ قبل المصالح خدمة للقضايا العربية والإسلامية. وعلى الرغم من الفوارق الاجتماعية والثقافية بين البلدين، إلاّ أنّ المصالح الاستراتيجية هي ما كان وسيظل يجمع أي إدارة أميركية بالمملكة، فالإدارات الأميركية تتغير، والعلاقة بين البلدين ثابتة وتتطور، بما يخدم المصالح المشتركة للبلدين. العلاقات السعودية - الأميركية استراتيجية ثابتة لا تتغير رؤية المؤسس بدأ الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن - طيب الله ثراه - بعد دخوله الحجاز عام 1924م، في رسم ملامح سياسة المملكة الخارجية، وكان حريصاً منذ اللحظة الأولى على أن تكون علاقاته مع الدول متنوعة، ومعززة بما يكفي لتحقيق مصالح المملكة، مع الحفاظ على استقلالية القرار السعودي. فبدأ بالاتصال بالدول المؤثرة للاعتراف بالمملكة، وقد أثمرت جهوده عن أول اعتراف من قبل الاتحاد السوفييتي عام 1926م، ثم سرعان ما توالت اعترافات الدول الأوروبية مثل بريطانياوفرنساوألمانيا وغيرها، ومعها جرى توطيد العلاقات التجارية والاتفاقيات، لكن المؤسس - طيب الله ثراه - كانت له رؤية بعيدة المدى، إذ أدرك مبكراً أن الولايات المتحدة سيكون لها دور مؤثر على الساحة العالمية، وأن الحصول على اعترافها وتأسيس علاقات قوية معها، سيكون من شأنه تعزيز مكانة المملكة وقوة تأثيرها في المنطقة. نيكسون: حكمة السعوديين أثمن من النفط وفي وقت كانت الولايات المتحدة تنظر إلى الشرق الأوسط قبل الحرب العالمية الثانية على اعتبارها منطقة نفوذ بريطاني، إلا أنها في صيف عام 1930م، كلّفت معاون الملحق التجاري في الإسكندرية (رالف تشيزبروف) بزيارة المملكة لاستكشاف الأوضاع، وإعداد تقرير عنها، وهو ما حدث عندما أصدر تقريره «المصادر الاقتصادية والنشاطات التجارية لمملكة نجد والحجاز وملحقاتها»، متوقعاً أن تشهد المملكة نمواً وازدهاراً في المستقبل القريب، وهو ما شجع الولايات المتحدة للتحرك نحو تأسيس علاقات دبلوماسية بين البلدين، ومن ثمَّ اعترافها بالمملكة في عام 1931م، لتبدأ بعدها بعض الاتفاقيات المتعلقة بالتجارة والنفط. علاقة استراتيجية تحظى العلاقات الثنائية بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية المبنية على الاحترام والتعاون المتبادل والمصالح المشتركة بمكانة خاصة لدى الجانبين، وتبلورت هذه العلاقات بين البلدين في يوم 23 فبراير 1930م، وتوثقت أكثر في مايو 1931م مع بدء التدفق التجاري للنفط السعودي، ومنح الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - حق التنقيب عن النفط لشركة (ستاندرد أويل) الأميركية. وعُدّ عام 1932م عاماً مميزاً للمملكة والولايات المتحدة، حيث شهد البلدان حدثين مهمين: الأول: توحيد الدولة السعودية تحت مسمى المملكة العربية السعودية، وتوقيع الاتفاقية الدبلوماسية التجارية المؤقتة بين البلدين. والثاني: كسر الولايات المتحدة طوق عزلتها عن العالم الخارجي ومساندتها لشركاتها ولاستثماراتها في الخارج. وعندما اندلعت الحرب العالمية الثانية عام 1939م، أعلن الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - الحياد منذ البداية، رغم علاقاته مع بريطانياوألمانيا، مجنباً المملكة ويلاتها، بينما في تلك الأثناء كانت شركات النفط الأميركية العاملة في المملكة تضغط على حكومة بلادها لحماية مصالحها ودعم المملكة، بما يعزز الوجود الأميركي في المنطقة ويوفر تدفقات النفط إليها.. ثم سرعان ما بدأ الاهتمام الملحوظ بالمملكة وملكها عبدالعزيز يزداد لدى الساسة الأميركيين الذين تنبهوا إلى أهمية المملكة الاستراتيجية، ورؤوا فيها عوناً لحل المشكلات التي كان الرئيس روزفلت يتوقع أن تحدث في المنطقة. وقد شهد 1 مايو 1942م تعيين جيمس موس كأول دبلوماسي قائم بالأعمال الأميركية في جدة بعد أن كانت مفوضيتها في القاهرة هي المسؤولة عن العلاقات بين البلدين، لتبدأ بعدها الاتصالات الرسمية وتوافد المبعوثين الأميركيين إلى المملكة، ثم سرعان ما تم افتتاح قنصلية أميركية في الظهران، كما بدأ التعاون العسكري من خلال تدريب الجيش السعودي وتزويده بالأسلحة، إلى جانب إنشاء قاعدة الظهران. ويعود تاريخ لقاءات قيادات المملكة والولايات المتحدة إلى عام 1943م، حينما لم يتمكن الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – طيب الله ثراه – من زيارة الولايات المتحدة تلبية للدعوة الرسمية من الرئيس الأميركي فرانكلين دي روزفلت ، فأناب نجليه صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن عبدالعزيز آل سعود وزير الخارجية، وصاحب السمو الملكي الأمير خالد بن عبدالعزيز آل سعود - رحمهما الله- لبحث مستقبل العلاقات الثنائية بين البلدين. لذلك لا غرابة أن يعلن الرئيس الأميركي روزفلت في فبراير 1943م، أن «الدفاع عن السعودية يعد أمراً حيوياً بالنسبة للدفاع عن الولايات المتحدة»، وذلك عقب تعرض منشأة نفطية في الظهران لقصف من جانب القوات الإيطالية المتحالفة مع ألمانيا النازية. ومع مرور الوقت بدأت العلاقات تترسخ أكثر فأكثر حتى احتلّت المملكة أهمية استراتيجية كبرى في السياسة الخارجية الأميركية، والتي اعترفت رسمياً بالمملكة في عام 1944م، وأقامت معها علاقات دبلوماسية كاملة وشاملة. إلا أن نقطة التحوّل الأبرز في علاقة المملكة بالولايات المتحدة كانت من خلال الاجتماع التاريخي الذي جمع المؤسس الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - بالرئيس روزفلت على متن الطراد الأميركي (يو إس إس كونسي) وذلك في 14 فبراير 1945م، وكان هذا اللقاء هو بمثابة البداية الفعلية التي وضِع فيها حجر الأساس للعلاقات السعودية - الأميركية، وأسس لتحالف راسخ بين القوة الأكبر في العالم والقوة الأهم في إقليم الشرق الأوسط، كما صمدت التفاهمات التي أرساها المؤسس - طيب الله ثراه - والرئيس روزفلت في وجه عواصف إقليمية ودولية عاتية، ولا يزال هذا اللقاء شاهدًا على مدى عمق علاقات الصداقة التاريخية بين المملكة والولايات المتحدة المبنية على التعاون المتبادل والمصالح المشتركة. وبعد هذا اللقاء أوفد المؤسس ابنه الملك فيصل - رحمه الله - إلى الولايات المتحدة في يونيو 1945م ممثلاً له لحضور تأسيس منظمة الأممالمتحدة في سان فرانسيسكو، والتوقيع على اتفاقية انضمام المملكة إلى المنظمة، لتصبح الدولة الخامسة والأربعين المنضمة إليها. واستمرت العلاقات في الازدهار حتى جاء عام 1951م، والذي تم فيه التوقيع على اتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين، وهو العام نفسه الذي شهد تغيير اسم الشركة الأميركية النفطية في المملكة من شركة كاليفورنيا أريبيان ستاندرد أويل إلى الشركة العربية الأميركية للنفط وهي أرامكو الحالية. خُطى المؤسس بقيت المملكة العربية السعودية راسخة في سياساتها التي أرساها المؤسس - طيب الله ثراه - من منطلق عقيدتها الإسلامية الصافية. وسار من بعده على نهجه ونظام حكمه أبناؤه البررة الذين قادوا بنجاح متميز سياسة المملكة الخارجية في عالم تعقدت فيه العلاقات الدولية، وتميزت بالصراعات والمنازعات والمتناقضات. وكانت أولى الزيارات الملكية إلى الولايات المتحدة الأميركية تلك التي قام بها الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - بدعوة من الرئيس الأميركي دوايت أيزنهاور في 29 يناير عام 1957م، ليكون – رحمه الله – أول الملوك السعوديين الذين زاروا أميركا. وفي فبراير 1962م عاد - رحمه الله - إلى زيارتها واجتمع مع الرئيس الأميركي جون كيندي، وبحث معه سبل التعاون الاقتصادي بين البلدين. وفي عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز التقى - رحمه الله - الرئيس الأميركي لندون جونسون عام 1966م وبحث معه تأسيس شراكة لعمل مشروعات التنمية في المملكة. وفي عام 1971م التقى الملك فيصل الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون في واشنطن، وبعد هذا اللقاء بثلاثة أعوام وتحديداً عام 1974 زار نيكسون المملكة، وتعد زيارته ذات قيمة تاريخية في علاقات البلدين حيث هي الزيارة الأولى التي يقوم بها رئيس أميركي للمملكة، وتم فيها الاتفاق على تأسيس اللجنة الاقتصادية السعودية - الأميركية المشتركة، وكان ذلك عام 1974م. وفي كلمته الترحيبية بقصر الضيافة في جدة قال رداً على كلمة الملك فيصل الترحيبية تحدث فيها عن العلاقات التاريخية والمهمة بين البلدين، ثم قال «صاحب الجلالة: أنا أعلم أن كثيراً من الأشخاص - على الأقل كما هو متوقع - يأتون إلى السعودية للحصول على النفط، أما نحن فنحتاج لما هو أثمن من النفط، نحتاج إلى الحكمة....، ولأنني رجل سياسة عمليّ دعوني أقول كما أننا سنحصل على كثير من الحكمة التي سنحملها معنا بعد هذه الزيارة، فنحن أيضاً نحتاج إلى النفط لنصل إلى وجهتنا القادمة، ولكي أكون واضحاً يا صاحب الجلالة فسيتم الدفع بالسعر العالمي».. وتأتي هذه الزيارة في أعقاب تجاوز البلدين لأزمة حظر تصدير النفط. وفي عهد الملك خالد بن عبدالعزيز - رحمه الله - زار الولايات المتحدة في أكتوبر 1978م، كما قام الرئيس الأميركي جيمي كارتر في العام نفسه بزيارة إلى المملكة، وناقش مع الملك خالد مشروع كارتر لتحريك عملية السلام بين العرب وإسرائيل. وشهد عهد الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - الكثير من التحولات في العلاقات التي وطدت العلاقة بين الجانبين، لا سيما تحرير الكويت، وما تلا ذلك من أحداث شهدتها المنطقة. كما زار الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - الولايات المتحدة عام 1985م، والتقى الرئيس الأميركي رونالد ريغان الذي طلب من الملك فهد استخدام نفوذ المملكة من أجل إحلال السلام في الشرق الأوسط، ومحاولة إيجاد مفاوضات مباشرة بين العرب والإسرائيليين. كما تم خلال هذه الزيارة التنسيق لزيادة استثمارات الشركات الأميركية في خطط التنمية في المملكة. وكلّف الملك فهد أخاه الأمير سلطان بن عبدالعزيز بزيارة الولايات المتحدة في سبتمبر 1985م، وإلقاء كلمة المملكة في الأممالمتحدة، ثم أعقبها بزيارة رسمية لمقابلة الرئيس الأميركي رونالد ريغان في الشهر نفسه. وبلغت العلاقات السعودية - الأمريكية ذروتها في بداية التسعينات الميلادية من القرن العشرين إبان العدوان العراقي على الكويت في أغسطس 1990م، حيث استعانت المملكة بالولايات المتحدة ضمن حالف دولي لصد العدوان وتحرير الكويت، وهو ما تم فعلاً من خلال عمليات عسكرية مشتركة، وكان الرئيس الأميركي جورج بوش الأب أكثر الرؤساء الأميركيين زيارة للمملكة، حيث زارها ثلاث مرات على مدى ثلاثة أعوام متتالية كانت أولاها في نوفمبر عام 1990م. وزار الرئيس الأميركي بيل كلينتون المملكة في عام 1994م، والتقى خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بمدينة حفر الباطن، وبحث معه العلاقات الثنائية بين البلدين، كما طلب من الملك فهد خلال هذه الزيارة منح إحدى الشركات الأميركية المتخصصة في أنظمة الاتصالات عقد تحديث نظام الاتصالات السلكية واللاسلكية بالمملكة بقيمة أربعة مليارات دولار. وفي عام 1995م قام الأمير سلطان بن عبدالعزيز بزيارة إلى الولايات المتحدة لحضور احتفال الأممالمتحدة بعامها الخمسين. وبعد ذلك بثلاثة أعوام، وتحديداً في عام 1998م، التقى الملك عبدالله بن عبدالعزيز - رحمه الله - حينما كان ولياً للعهد الرئيس الأميركي بيل كلينتون في الولايات المتحدة، في إطار جولة عالمية شملت سبع دول لمناقشة الوضع في المنطقة، وبحث التعاون الاقتصادي بين البلدين. وزار الأمير سلطان بن عبدالعزيز - رحمه الله - الولايات المتحدة في نوفمبر 1999م، والتقى الرئيس بيل كلينتون. كما زار الملك عبدالله بن عبدالعزيز - رحمه الله - الولايات المتحدة أثناء ولايته للعهد، في عام 2002م، وذلك في عهد جورج بوش الابن، وتُعدّ هذه الزيارة من أهم الزيارات التي قام بها مسؤول سعودي رفيع المستوى للولايات المتحدة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، والتي أوجدت الهجمات التي شهدها ذلك اليوم مناخاً معادياً لكل ما له علاقة بالدين الإسلامي. رغم أن اللجنة التي أعدت التقرير النهائي للتحقيق في هجمات سبتمبر، والذي صدر في يوليو 2004م، أكدت على عدم وجود علاقة أو تورط للمملكة في هجمات الحادي عشر من سبتمبر، بل إن الحكومة الأميركية ما فتئت تشيد بين الحين والآخر بجهود المملكة وتعاونها بمكافحة الإرهاب وتجفيف مصادر تمويله. وهذه التأكيدات والإشادات الأميركية قطعت الطريق أمام محاولات الكثيرين ممن كانوا يسعون لزعزعة العلاقة المتينة بين البلدين. وعن فعالية المملكة في مكافحة الإرهاب قال وزير الأمن الداخلي الأميركي جون كيلي في شهادته أمام الكونغرس في فبراير 2017: «السعودية لديها قوة شرطة فاعلة وجهاز استخبارات يمكننا العمل معه...». وأدلى مساعد وزير المالية الأميركي رئيس مكتب مكافحة تمويل الإرهاب والجرائم المالية بوزارة الخزانة الأمريكية دانيال غلاسر بإفادته أمام اللجنة القضائية بمجلس الشيوخ حول جهود المملكة العربية السعودية في مكافحة الإرهاب قائلاً: «إن المملكة تعد بكل المقاييس إحدى الدول التي تحتل مكانة محورية في جهود الولايات المتحدة للتصدي للإرهاب... وتعمل بكل همّة لمواجهة ظاهرة الإرهاب والتطرف واتخذت من أجل ذلك العديد من الإجراءات لاستئصال مصادر تمويل الإرهاب داخل أراضيها، وسعت لبناء أنظمة لمراقبة القطاع المالي وكشف عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب»، وبفضل هذه الجهود توطدت علاقة المملكة بالولايات المتحدة. وفي عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز - رحمه الله - قام الرئيس الأميركي جورج بوش الابن بزيارتين للمملكة، التقى خلالهما بخادم الحرمين الشريفين وبحث معه سبل تعزيز العلاقات بين البلدين في المجالات كافة. كما استقبل الملك عبدالله في 13 نوفمبر 2008م، الرئيس الأميركي جورج بوش الابن في مقر إقامته بمدينة نيويورك، وثمّن بوش خلال هذا اللقاء مبادرة الملك عبدالله بالدعوة إلى اجتماع حوار أتباع الأديان والحضارات والثقافات في مقر منظمة الأممالمتحدة. وبعد هذا اللقاء بيومين شارك الملك عبدالله في أعمال اجتماع قمة مجموعة العشرين الاقتصادية بواشنطن، وكان في استقباله الرئيس الأمريكي جورج بوش. وقام الرئيس الأميركي باراك أوباما بزيارة إلى المملكة في يونيو 2009م، وبحث مع الملك عبدالله دعم العلاقة بين البلدين، وناقشا القضية الفلسطينية، والتوترات المستمرة مع إيران.. وفي العام نفسه زار الملك عبدالله الولايات المتحدة. وبرزت في تاريخ العلاقات السعودية - الأميركية محطات مهمة عُدّت مرتكزًا أساساً في دعم مسيرة العلاقات بين البلدين، ومنها الزيارة التي قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله للولايات المتحدة في 11 أبريل 2012م، حينما كان ولياً العهد، بدعوة من وزير الدفاع الأميركي السابق ليون بانيتا، والتقى خلالها - حفظه الله - الرئيس الأميركي باراك أوباما، وبحث معه تعزيز العلاقات، خصوصاً في المجال العسكري والاستراتيجي المشترك، إضافة إلى عدة مقابلات أجراها في البنتاغون والكونغرس. حليفان رغم التباين استمرت هذه العلاقة بين البلدين، وتطورت مع مرور الزمن، ولم تتغير رغم مرورها بمنعطفات إقليمية ودولية صعبة للغاية تمثلت في حربي 1967 و1973م، وما تلاها من تداعيات لا سيما أزمة الطاقة عام 1973م التي حظرت فيها المملكة النفط على الولايات المتحدة وأوروبا لموقفها من حرب أكتوبر، هذا الموقف العروبي من قبل الملك فيصل - رحمه الله - لم يكن بدافع الرغبة في قطع العلاقات مع الولايات المتحدة بقدر ما هو حق مشروع انطلق من إيمانه الراسخ بأهمية الوقوف مع الأشقاء العرب ودعم قضاياهم الملحة التي لم تبدِ الولايات المتحدة اهتماماً بعدالتها، ورغم أن العلاقة بين البلدين كان يحكمها موقفان متضادان، المملكة أكبر الداعمين للقضية الفلسطينية، والولايات المتحدة منحازة في موقفها إلى الجانب الإسرائيلي، إلا أن العلاقة بينهما كانت تسير بشكل جيد رغم هذا التباين الذي لم يمنعهما من التعاون في قضايا إقليمية متعددة. مستقبل العلاقات تُدرك المملكة العربية السعودية أهمية وجود حلفاء متعددين لها في المنطقة والعالم، فأعادت تنظيم تحالفاتها القائمة لما هو أبعد من التحالفات الأحادية أو الاقتصادية، فأقامت علاقات استراتيجية على المستوى السياسي والعسكري والأمني والاقتصادي مع دول متعددة. وعلى الرغم من عدم اعتماد المملكة على حليف واحد بعينه، إلاّ أنها ظلت حسب المدار السياسي الأميركي أعظم حليف للولايات المتحدة في مواجهة الإرهاب، خصوصاً أن سجل المملكة حافل بالإنجازات محلياً ودولياً، والتي لا غنى للولايات المتحدة عن التعاون معها. كما أن صنّاع السياسة الأميركيين يدركون أن المملكة هي من أهم الحلفاء لهم في العالم الإسلامي، وليس صحيحاً أنها تمثل فقط أكبر احتياطي للنفط في العالم، وتتحكم به في السوق، لكن ما تدركه الإدارات الأميركية المتعاقبة جيداً، أن المملكة تحتفظ بموقعها الاقتصادي المهم في العالم، والديني كأرض للحرمين الشريفين ومهد للعقيدة الإسلامية. فالعلاقات الثنائية السعودية - الأميركية بُنيت على الاحترام والتعاون المتبادل والمصالح المشتركة، كون كل منهما مهماً للآخر، وهو ما ينفي القول الشائع بشأن طبيعة العلاقات بين البلدين قائمة على الاقتصاد بوجه عام، والنفط بوجه خاص، استناداً إلى بدايات تاريخ العلاقات بينهما، والتي كان النفط يستحوذ على جل اهتمامهما، إلا أن الواقع يشهد على أن مكانة المملكة بالنسبة للولايات المتحدة تزداد أهمية يوماً بعد آخر، نظراً لمكانتها الدينية، وأهميتها الاقتصادية، وهو ما تدركه الولايات المتحدة جيداً في ضرورة الحفاظ على أعلى مستويات التنسيق والتعاون مع المملكة في جل قضايا المنطقة وأزماتها، إذ كثيراً ما تتبنى الولايات المتحدة مواقف معينة فيما يتعلق بقضايا المنطقة، ويوجد عليها تحفظ سعودي، فيصبح مصيرها التوقف أو عدم النجاح. كما تُدرك الولايات المتحدة مكانة المملكة وأهميتها بقيادة العالمين العربي والإسلامي، ودورها الريادي في دعم الأمن والسلم الدوليين، ومكافحة الإرهاب، ودعم الاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط التي تموج فيها الفوضى بسبب دعم النظام الإيراني للميليشيات الإرهابية. كما أنّ المملكة ترى في المواقف الأميركية دعماً مهماً لسياستها ضد ما يمثل تهديداً للأمن القومي في المنطقة، والذي يأتي الأمن القومي السعودي جزءاً فعالاً في حمايته. ختاماً.. إنّ العلاقات السعودية - الأميركية طويلة الأمد، وقائمة على المصالح المتبادلة، وقادرة على الصمود في وجه التقلبات الجيوسياسية، وتعاقب الملوك والرؤساء. ورغم السنوات الطوال منذ لقاء الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - والرئيس الأميركي روزفلت، بقيت العلاقات كما غرسها الزعيمان، وحافظت عليها المملكة بإرادتها، وصدقها، وحرصها على الأصدقاء، وبما يتماشى مع المنهج السعودي المرسوم منذ عهد المؤسس حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان - حفظه الله -. كما حافظ عليها كل الرؤساء الأميركيين الذين حظيت المملكة باهتمام خاص منهم، نتيجة مكانتها الإسلامية والسياسية والاقتصادية، وكونها أحد مرتكزات الأمن الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط. لذلك العلاقة بين البلدين راسخة، وتتطور دوماً بما يخدم المصالح المشتركة. لقاء المؤسس وروزفلت.. مرافعة عقلانية حاسمة تكسر حاجز الصمت عيّنت الولايات المتحدة الأميركية في 12 أغسطس 1944م، الكولونيل (وليام إيدي) على رأس مفوضيتها في جدة، والذي قدّم أوراق اعتماده لدى المملكة في 23 سبتمبر من العام نفسه، حتى أصبح أبرز مهندسي العلاقات السعودية الأميركية، كما أنه يعدّ أبرز من حضروا اللقاء التاريخي الذي جمع بين الملك عبدالعزيز والرئيس روزفلت، وأصدر في عام 1954م كتابه (فرانكلين روزفلت يلتقي ابن سعود)، حيث روى ما دار في اللقاء من حديث رغم أن إجمالي مدة اللقاء بين الزعيمين لم تتجاوز الخمس ساعات، تناولا فيها العديد من الموضوعات، بحضور (ويليام إيدي ويوسف ياسين) كمترجمين. إلاّ أن (إيدي) ذكر حواراً مهماً في كتابه دار بين الزعيمين بخصوص هجرة يهود أوروبا إلى فلسطين، جاء فيه: «كضيف عربي لم يشأ الملك أن يتطرق إلى أي موضوع قبل أن يتحدث مضيفه، ولعلّه من المهم هنا أن أشير إلى أن الملك لم يتحدث أو يشير إلى الرغبة في أي دعم اقتصادي أو مالي للسعودية، لقد سافر إلى الاجتماع بحثاً عن الصداقة والتحالف، لا الموارد أو الأموال.. ولقد بدأ روزفلت بالحديث عن الحرب وثقته بهزيمة ألمانيا، ثم تطرّق للحديث عن رغبته في أن يتلقى نصيحة الملك فيما يتعلق بمشكلة اللاجئين اليهود الذين عانوا من الاضطهاد النازي ورغبتهم الهجرة إلى فلسطين»، وشرح الرئيس الأميركي الاضطهاد الذي يتعرض له اليهود، وأنهم يأتون إلى فلسطين كلاجئين فقراء هاربين من الموت، ثم ذهب أيضاً لامتداح العرب، واصفاً إياهم بالشعوب المضيافة والكريمة، مناشداً الملك بتسهيل إقامة اليهود بين عرب فلسطين. بينما وصف (إيدي) ردّ الملك عبدالعزيز بأنه كان «مباشراً وواضحاً»، فسأل الملك محدثه: «من اضطهدهم أيها الرئيس؟»، فأجابه روزفلت: «الأوروبيون عامة، والألمان خاصة، وإن الذين أتوا إلى فلسطين، ويأتون إليها، إنما هم من استطاعوا أن ينجوا بأنفسهم من القتل، وهم يتطلعون إلى حياة أكثر أمناً وسلاماً في فلسطين، ولهم رغبة عاطفية في العيش في فلسطين...»، فأجابه الملك: «بما أن الألمان هم الذين اضطهدوهم أليس من العدالة أيها الرئيس أن تعطوهم أرضاً في ألمانيا، وقد خضعت لاحتلالكم؟.. لم يُلحق العرب أي شرّ بيهود أوروبا، إنهم الألمان الذين سرقوا أموالهم وأرواحهم»، ردَّ روزفلت: «بأنهم لا يرغبون بالعيش في ألمانيا، لأنهم لا يثقون في الألمان ويريدون الهجرة إلى فلسطين»، فقال الملك: «إنه ليس لديه شك بأن اليهود لديهم سبب مقنع في عدم الثقة في الألمان، ولكن أيضاً ليس لديه شك في أن الحلفاء سيدمرون القوة النازية للأبد، وأن نصرهم سيساعد على حماية ضحايا النازية». وطبقًا لمذكرات «إيدي» فإن «ابن سعود قد قال أيضاً إذا كان الحلفاء لا يتوقعون التحكم في السياسة الألمانية بعد انتهاء الحرب، فلماذا كل هذه الحرب المكلفة»؟، «ابن سعود لا يتخيّل ترك عدو لديه القدرة للانتقام بعد الهزيمة». وذكر أن روزفلت قد صمت للحظات أمام هذه المرافعة العقلانية الحاسمة، كما أنه قد وعد في رسالة بعث بها في 5 أبريل 1945م، أي قبل وفاته بأسبوع واحد، بالامتناع عن القيام بأي عمل قد يكون معادياً للعرب، وأن أميركا لن تتخذ أي قرار نهائي حاسم بشأن فلسطين من دون التشاور مع جميع الأطراف المعنية. وبعد شهرين من اللقاء مات روزفلت، وجاء بعده هاري ترومان الذي اعترف بإسرائيل إثر صدور قرار التقسيم. وفي ختام مذكراته عدد (إيدي) الأسباب التي جعلت من هذا اللقاء مهماً للغاية، حيث يقول: «لهؤلاء الذين كانوا قريبين من الحدث كان لهذا اللقاء أهمية خاصة لعدة أسباب: أولًا: أنه كان لقاءً حيوياً بين زعيمي دولتين مختلفين، لكنهما مثيران للإعجاب، حيث يمثلان الشرق والغرب. ثانيًا: إنها المرة الأولى التي تتخاطب فيها أميركا مباشرة مع الحكومات والشعوب الصديقة في الشرق الأوسط، وليس عن طريق بريطانيا أو فرنسا كما جرت العادة، فهى بذلك تكسر تلك القاعدة، وللأبد، ومنذ ذلك الحين لم تعد الولايات المتحدة تعتبر تلك المنطقة بعيدة عنها. ثالثًا: فإن الملك الذي كان معتكفاً داخل جزيرته العربية ولم يغادرها قط، قد سافر في رحلته الأولى التي فتحت له الأبواب».. ثم يضيف: «أن ابن سعود، القائد المسلم وحامي المقدسات الإسلامية، قد رسّخ علاقته مع زعيم دولة غربية كبرى، ليمثل هذا اللقاء أكبر تحالف إسلامي غربي حينذاك، ويرمز إلى التكامل مع العالم الإسلامي بموارده وسكانه ومنتجاته ونفطه وموقعه الاستراتيجي». تصحيح المسار في العلاقات بين الرياضوواشنطن قام الرئيس الأميركي باراك أوباما بزيارة إلى المملكة في 27 يناير 2015م، ليقدم التعزية في وفاة الملك عبدالله بن عبدالعزيز - رحمه الله -، وأجرى خلال الزيارة محادثات مع الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - تناولت العلاقات الثنائية بين البلدين وتطورات الأحداث في المنطقة، في حين كانت آخر زيارة للرئيس أوباما إلى المملكة في 20 أبريل 2016م، التقى خلالها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله ، وحضر القمة التي عُقدت بينه وبين قادة دول مجلس التعاون. كما زار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله الولايات المتحدة في 3 سبتمبر 2015م، تلبية لدعوة من الرئيس باراك أوباما، واستعرض معه العلاقات بين البلدين، والتقى في مقر إقامته في واشنطن معالي وزير الخارجية الأميركي جون كيري. وفي اليوم نفسه استقبل خادم الحرمين الشريفين حفظه الله في مقر إقامته بواشنطن رئيسي الولايات المتحدة السابقين جورج دبليو بوش، وبيل كلينتون، كلاً على حدة. وشرّف خادم الحرمين - حفظه الله - في واشنطن في 5 سبتمبر 2015م حفل عشاء منتدى الاستثمار الذي أقامه مجلس الأعمال السعودي - الأميركي. وألقى - حفظه الله - كلمة خلال الحفل أكد فيها متانة العلاقات السعودية - الأميركية ووصفها بأنها علاقات تاريخية واستراتيجية منذ أن أرسى أسسها جلالة المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز وفخامة الرئيس فرانكلين روزفلت. وعلى الرغم من دعم الرئيس باراك أوباما عاصفة الحزم لتحقيق الاستقرار في اليمن، إلاّ أن العلاقة بين البلدين مع نهاية ولاية أوباما الثانية أخذت في التوتر، وتصاعدت الخلافات بعد توقيع الاتفاق النووي مع إيران، وغض الطرف من قبل أوباما عما تفعله إيران من تدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة. وعقب الفتور الذي شهدته العلاقات السعودية - الأميركية في حقبة أوباما، وتوقع المحللين السياسيين بمضي العلاقة إلى مزيد من التوتر في حقبة ترمب، إلا أنه خالف كل التوقعات حينما أكد أنه سيقوم بأول زيارة خارجية له إلى المملكة في 23 مايو 2017م، والتي أحدثت تحوّلاً مهماً في تاريخ العلاقات بين البلدين، عندما قال ترمب: «أفتخر بأن أنقل لكم هذا الإعلان التاريخي والعظيم وهو أن زيارتي الخارجية الأولى كرئيس للولايات المتحدة الأميركية ستكون للسعودية... وسنعقد قمة تاريخية في السعودية بحضور قادة من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، وسنسعى من هنا لبناء مستقبل مشرق وعادل للشباب المسلم في بلدانهم». كما اتبع صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد خُطى جده الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - وأبيه - حفظه الله -، عندما نجح في إعادة ترميم العلاقات السعودية - الأميركية، وتطويرها لتصل إلى مرحلة من النضج والتقدم والازدهار. وحدث ذلك خلال الزيارة التي قام بها سموه - حفظه الله - عندما كان ولياً لولي العهد إلى واشنطن في مارس 2017م لمقابلة الرئيس الأميركي الجديد ترمب، وقد أثمرت الزيارة عن إعلان ترمب أن أول زيارة خارجية له ستكون إلى المملكة. وحققت زيارة الأمير محمد بن سلمان الكثير من النجاحات المهمة، وجعلت الكثيرين يصفون شخصيته بأنها من ضمن أهم الشخصيات المؤثرة في العالم. فهذا التغيير الإيجابي الذي تشهده العلاقات السعودية - الأميركية في الوقت الراهن باعتبار المملكة أهم حلفاء الولايات المتحدة لمحاربة الإرهاب والتطرف، تم بفضل الله ثم بفضل توجيهات خادم الحرمين الشريفين والأداء العالي الذي يتمتع به سمو الأمير محمد بن سلمان - حفظهما الله - من رأب الصدع الذي أحدثه الاتفاق النووي مع إيران. لذلك لا بد من التذكير أن النهج المتعقل والناجح الذي تنتهجه المملكة تجاه محاربة الإرهاب أعطى المملكة مكانة عالمية مرموقة، لا سيما وأنها ربطت دائماً بين القول والعمل، واستطاعت بحكمة قيادتها التعامل مع الأحداث برؤية واضحة وعقل مستنير. الملك فيصل - يرحمه الله - مع الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون خادم الحرمين يلتقي الرئيس الأميركي جورج بوش خلال زيارة لأميركا ولي العهد خلال استقبال الرئيس الأميركي دونالد ترمب