مازلت أذكر بداية شرارة ريادة الأعمال قبل عشر سنوات عندما حضرت أول لقاءات ديوان المعرفة للدكتور سلطان باهبري -رحمه الله-. اجتذبتني مواضيع الديوان المرتكزة على الاقتصاد المعرفي. وفي بداية اللقاء الأول طرح الدكتور سؤالاً مفاجئاً على الحضور: ما مشروعك؟ كلنا كنا نكرر أسئلة التعارف المعتادة: الاسم وجهة العمل. ولكن الدكتور كان يؤسس لمفهوم جديد يفترض فيه ضرورة وجود مشروع تجاري لكل شخص. تسارعت بعد ذلك أطروحات الريادة في المجتمع، وأصبحنا نتعلم الكثير من بدايات المشروعات الصغيرة والأنشطة التقليدية ومغامرات صناديق التمويل. ثم برزت المشروعات القائمة على البرمجيات كأصول غير ملموسة قد تتجاوز قيمتها السوقية الكثير من المشروعات التقليدية ذات الأصول الثقيلة. توسعت تطبيقات التجارة الإلكترونية مع تغير ثقافات المجتمع وتعددت التطبيقات المحلية والعالمية المتخصصة في تقديم الخدمات والمنتجات. ومع ذلك التوسع ضاق وصف "المشروع التقني" عن احتواء الجميع، وبرزت تخصصات فرعية لتلك التطبيقات مثل مجمع المتاجر Marketplace وخدمات التوصيل Delivery وتقنيات التعليم EdTech والتقنيات المالية FinTech وبرمجيات خدمات الأعمال SaaS. يتشابه أسلوب العمل في أغلبها من ناحية هيكلة الفريق التنفيذي وإدارة المنتجات الرقمية والتسويق وخدمة العملاء، إلا أنها تتنوع في الاستراتيجيات بحسب التخصص. التخصص في ريادة الأعمال الرقمية مهم لتتمكن من الاستفادة من الشركات الناشئة والمؤسسين المشاركين لك في الاهتمام، ولتتمكن من الوصول بسهولة إلى المستثمرين المتوافقين معك في نفس التوجه. من بوادر نضج ريادة الأعمال في المملكة ظهور شركات متخصصة قائمة على التقنية وتمكنت من تحقيق نجاحات كبيرة في مجالها. على سبيل المثال تخصص تطبيق "مرسول" في خدمات التوصيل "كل شيء من أي مكان لأي مكان" وتمكن من جذب اهتمام صندوق STV والذي سبق له الاستثمار على نفس الخط في "كريم". رأينا بعدها بعض تطبيقات التوصيل المميزة والتي أتقنت فن التخصص لتستحوذ بدورها على شريحة مهمة من العملاء، مثل تطبيق "ذا شفز" المتخصص بالتوصيل من المطاعم الراقية لينافس العمالقة في نفس المجال. وفي مجال تقنيات التعليم تخصصت الشركة السعودية "Classera" في التعليم الإلكتروني بتقديم برمجيات SaaS لتطوير المدارس ورقمنة قطاع التعليم المليء بالتحديات. وتخصصت شركة "زد" في رقمنة قطاع التجزئة ومساعدة المتاجر التقليدية للتحول إلى التجارة الإلكترونية، وتمكنت من جذب انتباه صندوق الاستثمار الجريء الخاص بشركة "علم" الرائدة في تقنية المعلومات ولها عدة استثمارات في شركات SaaS مثل شركة Unifonic. وكانت لنا تجربة في البحث عن تخصص "فلاي أكيد" للابتكار في قطاع السفر المتشعب، ولم نجد أي توافق مع تصنيفات السفر التقليدية، حتى وصلنا إلى التخصص في برمجيات SaaS لإدارة سفر الأعمال والجهات الحكومية، وساعدنا هذا التخصص على تبادل الخبرات مع الشركات المشابهة والتعرف على الصناديق الاستثمارية المهتمة في المجال وتتحدث بنفس اللغة.