يذكر جيمس فريتزر في كتابه (الغصن الذهبي) أنّ بعض سكّان بوهيميا تعوّدوا في أحد طقوسهم السنويّة أن يُعرض على المحتفلين قفص مملوء بالضفادع، قبل أن تُخرج منه لتُشنق في صفٍ واحد بواسطة مشنقة قد نصبت لهذا الغرض. كما يذكر طقس مشابه كان يحدث في جزء آخر من أوروبّا هو منطقة بلاس حيث تروح الضفادع ضحيّة لذلك الطقس أيضاً، ولكن بطريقة أكثر تعقيداً إذ يضغط أحد المحتفلين بحيث لا تُرى يده على جسد أحد الضفادع بقوة حتى يصدر صوتاً يعتبره منظّمو الاحتفال حينها سببا كافٍ لإيقاع العقوبة على الضفدع، فيُعدم بشطر جسمه بالسيف وإلقائه بدمائه بين المتفرّجين! يشير فيلهلم مانهارت إلى وجود علاقة ذهنيّة بين قتل الضفدع والحصول على المطر لدى بعض الأقوام البدائية بما في ذلك أقوام لا دليل على صلة ثقافية تربط في ما بينهم، فكما رُصد مثل ذلك لدى القبائل الأوروبية القديمة فقد شوهد أيضاً أنّ هنود أورينوكو في ما بات يسمّى (أميركا الجنوبية) كانوا يضربون الضفادع بالعصيّ طلباً للمطر! بناء على افتراض صحّة ما يقول به هؤلاء الأنثربولوجيون، يحقّ لنا التساؤل لماذا كان الضفدع بالذات من عمدوا إلى تحميله المسؤوليّة وإجباره على دفع هذا الثمن؟ الضفادع من أكثر الكائنات تعلّقاً بالماء والرطوبة، لذلك لديها حساسية مضاعفة تجاه الجفاف وتأخّر المطر. لاحظ علماء الطبيعة تزايداً ملحوظاً في صخب الضفادع مع كلّ بوادر للجفاف تعتري منطقة ما، وهذا يعني أنّ احتجاج الضفادع على الطبيعة يسبق احتجاج المخلوقات الأخرى، لذلك يبدو لي أنّ الإنسان البدائي تحت (وهم التعاقب) كان يربط بين الجفاف وصخب الضفادع السابق له، فيظنّ أن الأوّل شكلٌ من أشكال غضب آلهة الطبيعة على ما كانت تقوم به الضفادع من ضجيج، فعمد إلى هذا النوع من الطقوس للتبرؤ منها والتعبير عن الولاء للآلهة عبر معاقبته لها بنفسه، يحفّزه على ذلك قدرته وضعفها وربّما ما يحمله من سخط مسبق تجاه إزعاجها. تدفع الضفادع الثمن؛ لأنّها مع ضعفها كانت الأسبق إلى الإنذار، هكذا يبدو الأمر الآن. تحت تأثير وهم التعاقب ذاته، ما زال الإنسان حتّى اليوم يخلط بين من يكشف الخلل المستتر وبين من يخلقه بالفعل، فيعمد إلى قطع الإصبع التي تشير بالتحذير من اللهب بدلاً من المبادرة إلى اللهب وإطفائه. صادفتني ذات مرّة معلومة أخرى عن (الضفدع الذي يموت) ولكنّها وردت بشكل مختلف هذه المرّة، يذكر باولو كويلّو على لسان أيغور أحد أبطال روايته (الرابح يبقى وحيداً) هذه العبارات: "إذا وُضع ضفدع في مستوعب يحتوي على ماءٍ من غديرٍ يألفه، فسيبقى فيه، ساكنا تماماً، بينما يتمّ تسخين الماء ببطء، لا يتأثّر الضفدع بالارتفاع التدريجي في الحرارة، وبالتغييرات في بيئته. وعندما يبلغ الماء درجة الغليان يموت الضفدع سعيداً سميناً. لكن إذا رمي بضفدع في مستوعب مليء بماء يغلي بالفعل، فسيقفز فوراً خارجاً منه، ملذوعاً، لكن حيّاً على الأقل". استعمل كويلّو هذه الصورة المجازيّة لينبّهنا إلى خطورة التعوّد وحجابه الذي يعيقنا عن رؤية الحقيقة، ذلك الحجاب الذي ما زلنا نقع فيه على صعيد الأفراد وكذلك المجتمعات، إذ لا يمكننا تمييز الخسائر بسهولة عندما تحدث بنحوٍ بطيء، ولعلّ كثيراً ممّا نراه يداهم المجتمعات من نكبات لم يكن لأسباب عارضة كما نتوهّم، بل نتيجة لتراكم بطيء غير ملحوظ لما كانت تعيشه من خللٍ كلّ يوم. رغم جمال هذه الصورة وفاعليّتها فإنّي حاولت التأكّد من هذه المعلومة من منظور بيولوجي وشاهدت أثناء ذلك مقطعاً يحاول إثبات هذه الفكرة، فبدا لي بالفعل أن الضفدع كان ساكناً لا يشعر بخطر الارتفاع التدريجي في الحرارة، وانتهى الأمر بموته ولكن دون شيء يشير إلى سعادته التي زعمها أيغور بطبيعة الحال. باولو كويلو عبدالرحمن مرشود