خلف كل المثالية التي نراها في مواقع التواصل الاجتماعي ثمة واقع صادم مخادع، لا يعكس ما نراه في تلك المواقع واقعنا، ولا يمثل الأشخاص الموجودين على هذه الوسائل حياتنا الحقيقية، إن الشكل الذي يظهر به الناس في حياتهم اليومية، وعلى شبكات التواصل الاجتماعي يستحق فعلا كل الاهتمام. فكيف يرون انعكاس شخصياتهم الافتراضية على شخصياتهم الحقيقية في حياتهم الواقعية؟ قد تتعدد شخصياتهم على الإنترنت، ولكن هل شخصياتهم في الواقع ذات بعد واحد؟ مطلقا لا إن ما نراه على مواقع التواصل الاجتماعي من كذب وتمثيل لا يمت للحقيقة بصلة أشبه ما يكون بالفصام، فالكثير من الناس يتقمصون دورا آخر على تلك المواقع لا يمت لحياتهم وشخصياتهم الحقيقية بصلة لا من قريب ولا من بعيد، لا بل حتى إنها متناقضة تماما مع ما هم عليه، فكم من سيدة تدعي المثالية على فيس بوك وتنشر الحكم والمواعظ وتدعو قريناتها للاقتداء بتلك النصائح وهي في الحقيقة مهملة. وترى موظفا متقاعسا لطالما كان متأخرا على عمله وغير ملتزم بتأدية مهامه، يقوم بمشاركة منشوراته عبر انستغرام عن الانضباط في العمل وضرورة التقيد بالواجبات حتى تظن أنه شخص آخر غير الذي تعرفه في الحقيقة. تتعدد النماذج والقصص حول ذلك التناقض العجيب الموجود في تلك الشخصيات بين الحقيقة والواقع وبين تلك المواقع. يعود النجاح الذي أحرزته وسائل التواصل الاجتماعي، إلى قدرة الأشخاص على إخفاء هويتهم وتبديد الرؤية تجاههم، وهو ما يتيح لهم تقمص أي دور يحبونه ويبوحون بمكنوناتهم دون رادع، السهولة في إخفاء الهوية يدفع الإنسان لتبني سلوكيات لطالما كان يرفضها في الحياة الواقعية. لا ضرر من التجمل والمثالية والظهور بأبهى حلة، فكلنا نكون في بيوتنا على طبيعتنا ونتصرف بعفوية دون تجمل ومثالية وعندما نقابل أشخاصا آخرين نتصرف بوَعٍ أكبر ونحسن من وضعنا ولكن دون الوصول إلى الكذب الصريح والتناقض اللا متناهي البعيد كل البعد عن الحقيقة، فلا داعي لارتداء أقنعة مزيفة حاولوا الموازنة وتحسين حياتكم الحقيقية بالأشياء التي تدعون فعلها، لتتزن حياتكم بالكامل.