صناعة سينمائية مميزة قُدمت بمستوى عالٍ في الكتابة وتحفة فنية بالإخراج للمبدع المخرج كريستوفر نولان، أضافها لروائع الصناعة السينمائية باحتراف منقطع النظير من خلال فيلمه الجديد "Tenet"، فيلم رفع من سقف معيار قبول الأفلام، وجعل الأمر في غاية الصعوبة على المخرجين من بعده. فيلم تجاوز الساعتين والنصف لا تمل مشاهدته وتشعر بأنها أقل من ذلك بكثير، مخرج يتحدى نفسه ويفتح آفاقاً جديدة كل مرة يصنع بها فيلماً جديداً، هذا الفيلم فيه من حبس الأنفاس ما يكفي ليجعلك في حالة انتباه شديد لكل التفاصيل التي لا تنفك تتوالى مترابطة باتجاه عكسي يعجز عن تركيبه غير هذا المخرج وعلى أمواج موسيقى تصويرية رائعة وبصورة سينمائية فائقة الدقة والإبهار، لتؤكد على تبوئه مقعداً للترشيح لأكثر من جائزة أوسكار. مخرج اعتمد على نص أصلي - من كتابته - وهذه عادته في معظم أفلامه، فهو الرقم الصعب في معادلة الإخراج لأنه لا يقلد أحداً، وصعب التقليد على الآخرين أيضاً ليجعل من هذه المعادلة متلازمة، قد نسميها متلازمة كريستوفر نولان والتي يعاني منها المخرجون غيره، فجميع أفلامه تحمل سماته الواضحة من خلال الميزانيات العالية التي ينفقها بسخاء على ما ينتجه ويخرجه ولمساته المتفردة والمكتملة العناصر بشكل دقيق ومتناغم بشكل لا يصدق، فلو لم نكن نعرف قدرات المخرج كريستوفر نولان لكدنا نقول: إن حتى نولان نفسه لا يستطيع أن يصنع فيلماً كهذا! ساعتان من اللامعقول وعكس قوانين الفيزياء في مزيج من الأحداث والألغاز، ليقترب هذا المخرج من مناطق بعيدة المنال على غيره في المستوى الفني، ابتدأها في أفلامه السابقة ومن أشهرها "The Dark Knight – Inception – Interstellar Dunkirk"، قائمة فاخرة من الأفلام تليق بمخرج عبقري يضيف شيئاً جديداً في أفلامه ليحلق بالجوائز الكبرى بعيداً لتكون خارج إطار مفهوم صناعة الأفلام التقليدية. فهو مخرج لا يقبل إلا بمشاهد حقيقية وقصص عالية المفاهيم ليجعل المشاهد يبذل جهداً عالياً لمتابعة التحركات فيما يخرجه صانعاً بالأداء المتفرد للبطل والقيادة المتمكنة - لمخرج ترشح 34 مرة لجوائز الأوسكار ونال عشراً منها. لا يهدر "Tenent" أي وقت من بداية المشهد الأول في الهجوم على عرض سيمفوني في مدينة كييف حتى نهاية الفيلم ليحمل لنا هذا المخرج المتمكن القصة على عاتق الممثل (جون ديفيد واشنطن) بأداء كاريزمي. لبطل قادر على تحمل تعذيب العدو له، تنفيذاً لأوامر المنظمة التي يعمل بها في مهمة سرية تتضمن تقنية جديدة لها القدرة على إعادة كتابة التاريخ البشري من منطلق أنه لا يمكن تغيير المستقبل إلا بتغيير الماضي أولاً. السفر عبر الزمن ومفهوم الأشياء المقلوبة والسير في الاتجاه عبر التاريخ والقوى التي تتحكم فيها من خلال امتزاج اللحظات وتباعدها وتلاقيها من جديد، صورة صعبة الفهم إلا لمن يتابع هذه التفاصيل التي تسير بالعكس من البداية وبتركيز شديد لأن كل حركة وشخصية لها تفسير في مجريات هذه الأحداث ضمن قوة غير خاضعة للرقابة وتشرح ما يحدث ولماذا حدث وما قد يحدث بعد ذلك، حتى تشعر أنه يجب أن يتم تدوين كل ما يحدث لكن ليس هناك وقت كافٍ لتدوينه خلال المشاهدة، فكل الأشياء تتحرك في اتجاهات متعاكسة في الوقت نفسه بنفس المكان، ليؤلمك رأسك أكثر محاولاً فهم الأحداث وتوابعها مسبقاً. الفيلم مدته ساعتان ونصف الساعة، وبلغت ميزانية إنتاجه "205" ملايين دولار، من إنتاج العام "2020" ومصنف R-12.