في بدايات القرن الماضي قبل 120 سنة كانت الشركة البريطانية BP (الأم) تحتكر التنقيب عن البترول في جميع منطقة الخليج (إيران ثم العراق ثم الكويت). ولكنها امتنعت عن التنقيب في المملكة بحجة أنه لا يُمكن وجود بترول في الجانب الغربي (المملكة والبحرين) للخليج، لقد كلفها هذا الخطأ الكبير (الذي قد يكون مقصوداً لطرد مُنافسيها) فخسرت أكبر احتياطي للبترول في العالم لصالح مُنافسيها من الشركات الأمريكية. الآن بعد 120 سنة تُكرر شركة البترول البريطانية العريقة خطأها القديم فتقول في تقريرها الصادر بتاريخ 14 سبتمبر (قبل أسبوعين): إن الطلب على البترول قد لا يعود قط إلى مستواه قبل الجائحة حوالي 100 مليون برميل في اليوم. بل سيبدأ الطلب على البترول يتلاشى تدريجياً سنةً بعد سنة إلى أن يصل (وفقاً لأحد سيناريوهاتها) أقل من 24 مليون برميل في اليوم بحلول العام 2050 (بعد 30 سنة من الآن). لكن نفس الشركة البريطانية العريقة قالت في تقريرها - الذي لم يجف حبره - الصادر في مثل هذا الوقت العام الماضي 2019، إن الطلب على البترول قد يواصل نموه إلى العام 2040 حيث في أحد سيناريوهاتهم الُمسمى (more energy) يتجاوز الطلب على البترول 112 مليون برميل في اليوم العام 2040، وهذا السيناريو يتوافق مع توقعات أوبك ومع سيناريوهات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية EIA. السؤال الذي يتبادر إلى ذهني هو: ما الجديد الذي جعل شركة بريتش بتروليوم العريقة تُغير توقعاتها خلال سنة واحدة؟، فبعد أن كانت تقول الطلب على البترول قد لا يصل ذروته قبل العام 2040 أصبحت الآن تقول الطلب على البترول وصل ذروته (peaked) العام الماضي 2019 ولن يعاود نموه بل سيأخذ في الانخفاض. الواقع لا يوجد جديد غير كورونا، فلماذا شركة بترول عريقة تُحاول - فجأةً - الآن أن تتوقع نهاية عصر البترول والاستغناء عنه بسبب جائحة عارضة قد تؤدي - بعد زوالها - إلى زيادة الطلب على البترول وليس انخفاضه. الجواب نجده في السيناريو الثاني الذي تُسميه الشركة في تقريرها: Net Zero، هذا السيناريو يُشبه خريطة الطريق تُقدمها الشركة لتسير عليها الدول المستهلكة للبترول للتحول سريعاً من الوقود الأحفوري (البترول والغاز والفحم) إلى المصادر المتجددة بواسطة فرض ضرائب مُرهقة على البترول بحجة خفض انبعاثات الكربون للصفر. الواقع استهلاك البترول قد يصل فعلاً ذروته العام 2040 عند مستوى 112 مليون برميل. ثم قد يستمر مُتذبذباً حول نفس المستوى (Plateau) إلى العام 2050، ثم قد يبدأ الانخفاض التدريجي إلى نهاية القرن. لكن ليس بسبب التحول للمصادر الأخرى، بل بسبب إنتاج البترول لا يستطيع تلبية الطلب المتزايد على البترول. الواضح أن الشركة البريطانية العملاقة فقدتْ شهيتها للتنقيب عن البترول بعد أن أصابتها لعنة تسرب خليج المكسيك فأصبح شعارها: "إذا أنا مِتُّ ظمآناً فلا نزل بَعْدِيَ القطرُ".