من أبرز الأفكار المالية الخادعة التي يتفق معظم الاقتصاديين وناشري الوعي المالي على أنها تمنع المؤمنين بها من الغِنى والثراء، وتبقيهم طويلاً في طبقة الفقراء، الفكرة القائلة بأن: «جميع الأثرياء لصوص»، فالإنسان الذي يؤمن بهذه المقولة تترسخ في ذهنه فكرة واحدة وهي أن الطرق التي تؤدي إلى الثراء طرقٌ غير مشروعة لا ينبغي أن يسلكها المرء، والاعتقاد بهذه الفكرة يمنع من السعي الجاد لتغيير الوضع الاقتصادي ويجعل الإنسان يكتفي بشتم «الأغنياء» في كل مرّة يشعر فيها بألم الفقر وقسوته. تلك الفكرة المالية تتشابه إلى حدٍ ما مع الخرافة أو الفكرة الشعرية السائدة التي تزعم أن الشعر هو «فن الفقراء» الذي لا ينبغي أن يزاحمهم الأثرياء عليه، فمن المألوف أن تقابل عبارات متحيّزة تنفي إمكانية نظم الأغنياء للشعر أو إبداعهم فيه من نوع: «الأغنياء لا يكتبون الشعر ولا يتذوقونه»، أو «أكره شعر الأغنياء ولا يبدع في الشعر إلا الفقراء»، أو «شعر الأغنياء بلا طعم ولا رائحة»، أو «أكذب الشعر هو شعر الأغنياء»! وتحاول مقولات أخرى عديدة تعزيز فكرة أن إبداع الشخص الثري أمر مستحيل، وعندما يصدر الإبداع عنه فهو إما سارق أو ابتاع قصيدته من شاعر فقير. تقول إحدى المقولات التي صيغت لتأكيد فكرة سرقة الأثرياء للشعر: «في الحياة: الفقير يسرق بيوت الأغنياء، وفي الشعر: الغني هو من يسرق بيوت الفقراء». وإذا لم يكن الثري سارقاً فلا بد أن قصيدته مجلوبة من سوق الشعر كما تزعم مقولة: «يتوقف الأغنياء عن كتابة الشعر حين يتوقف الفقراء عن بيعه». هذه المقولات وغيرها ما زالت تساهم في بقاء وانتشار خرافة أن الأثرياء لا يبدعون مثل الفقراء، وتنشأ هذه الخرافة كما يبدو من الربط السطحي بين موضوع قلّة المال وكثرته وبين موضوع قوة الموهبة أو ضعفها، فالذين يؤمنون بهذه الفكرة يفترضون أن المعاناة الأساسية التي تغذّي موهبة الشعر هي معاناة الفقر وقلة المال، وبالتالي فإن غياب معاناة فقد المال أو قلّته تعني بالضرورة غياب الشعر ووجود فقر حاد في الموهبة لدى الإنسان، ولا يمكن له حينها أن يصبح شاعراً أو رساماً أو ملحناً. ويحتج المؤمنون بفكرة أن الشخص الغني يستحيل أن يبدع الشعر بحجج واهية من بينها وجود تفاوت واضح في مستوى قصائد الشعراء الأثرياء وتذبذبها بين القوة والضعف، مع أن وجود التفاوت ظاهرة طبيعة واضحة لا تخطئها العين في إنتاج شعراء كبار لم يكونوا يوماً من طبقة أصحاب الأموال.