يعلمنا التاريخ الصناعي، أن هناك ارتباطا وثيقا بين الصناعة والتجارة الخارجية، ومعنى ذلك أنه من الاستحالة أن تقوم دولة بالتصنيع بهدف إشباع حاجات مواطنيها فقط، وإن كان ذلك يعتبر أمرا مهما وبالذات في بعض المجالات الحيوية والأساسية. لكن الصناعة، في أي بلد، لن تتمكن من الازدهار والنمو دون أن يكون محيطها السوقي يغطي الكثير مما تستطيع من الأسواق والبلدان، مما يعني أن تأخذ التوجهات الاستراتيجية للصناعة موضوع وصول وتواجد منتجاتها في الكثير من الأسواق محل العناية والاهتمام. إن هذا يتطلب أن يكون لدى الدولة تجارة وعلاقات خارجية فاعلة تدرك ذلك، وصادرات تستطيع أن تمكن تلك المنتجات من النفاذ إلى الأسواق واستغلال ما تم إبرامه من اتفاقيات وعلاقات تجارية، بما يخدم خططها وبرامجها الصناعية ويحقق تطلعاتها. إن تحقيق ذلك يتجاوز إمكانات القطاع الخاص، حيث لم يكن القطاع الخاص، والصناعي منه تحديدا، قادرا وحده على القيام بذلك الدور في الدول التي سبقتنا بسنوات في نهضتها الصناعية. بل إن تلك الدول أغدقت على صناعتها الكثير من الدعم والتحفيز والتشجيع، حتى وصلت إلى ما وصلت إليه. إن الاستثمار في مجالات العمل الأخرى، لسهولته النسبية وسرعة عائده، مقارنة بالصناعة يعتبر منافسا لها، بل ومشجعا لرجال الأعمال للانصراف عن الصناعة والاتجاه لما سواها، مالم تكن هناك محفزات وأنظمة وتشريعات تدرك ذلك وتتبناه وتشجعه وتدفع به. إن النمو الاقتصادي، حيث الصناعة أحد أهم مرتكزاته، ومن ثم التنمية الاقتصادية، التي هي المطلب الأسمى لأي مجتمع، يتطلبان الكثير من الاستثمار في البنى التحتية المرتبطة بالصناعة ودعمها وتحفيزها، مع وجود تجارة خارجية فاعلة، وصادرات قادرة، لتمكين تلك الصناعة من تحقيق أهدافها وتطلعاتها، واسهامها، بالتالي، في تنمية المجتمع وخدمته.