تراقب دول العالم اليوم المملكة، وهي تُعيد بناء نفسها على أسس ثابتة، ومرتكزات صلبة، تنطلق منها نحو آفاق رحبة من النمو والازدهار الاقتصادي والاجتماعي، في مشهد يرفع شعار «الإصرار والعزيمة» على الإصلاح والتطوير والتحديث. وعندما أعلنت المملكة قيادةً وشعباً بداية الحرب على الفساد والمفسدين، لم تعلن موعداً لنهايتها، وكأنها تؤكد للجميع في الداخل والخارج أن هذه الحرب مستمرة ومتواصلة إلى ما لا نهاية، لردع كل من تسول له نفسه العبث بالمال العام، والتعدي عليه، واستباحة حرمته، والمساس بمصالح المواطنين واستغلال النفوذ. الحرب على الفساد التي قادها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لم تكن تقليدية أو من قبيل الاستهلاك الإعلامي، وإنما كانت حرباً ممنهجة، لها أهداف عليا، وتمتلك استراتيجية عمل مثالية، ولديها أدواتها الخاصة، من أجهزة ضبطية ورقابية، مُنحت كل الصلاحيات التي تخول لها حماية المال العام، والمحافظة عليه، وترسيخ مبادئ الشفافية والعدالة والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للوطن. في العام 2015 وجه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- رسالة على الملأ، قال فيها: «هناك إجماع في البلاد على مكافحة الفساد، وأكبر مكافح للفساد هو كتاب الله وسنة رسوله، والمملكة لا تقبل فساداً على أحد ولا ترضاه على أحد»، وبذات الحزم، وجه ولي العهد رسالة أخرى قال فيها: «لن ينجو أي شخص دخل في قضية فساد سواء وزيراً أو أميراً أو أياً من كان»، هاتان الرسالتان أسستا لحقبة جديدة في البلاد، هذه الحقبة لا يمكن أن تجمع بين النهضة التنموية والاقتصادية التي أدرجتها المملكة في رؤية 2030، وبين الفساد الذي يأكل الأخضر واليابس، بعض المسؤولين استوعب مضمون الرسالتين في وقت مبكر ونجا بنفسه من الجزاء، والبعض لم يستوعبهما، فكانت النتيجة التي نشهدها تباعاً، إشهار بالفاسدين والإطاحة بهم من مناصبهم، والزج بهم إلى السجون. ويعكس الأمر الملكي الصادر بإحالة مسؤول إلى التقاعد وإعفاء أمين منطقة ومحافظين وعدد من الموظفين والتحقيق معهم حيال مسؤولياتهم عن التعديات على الأراضي والتجاوزات في العشوائيات والمخيمات في مشروع البحر الأحمر والعلا والسودة، الحزم والإصرار من القيادة على استئصال الفساد، وملاحقة الفاسدين أينما وجدوا، وفي ذلك رسالة اطمئنان للمواطن بأنه يعيش في بلد العدالة والمساواة والاستقرار الاجتماعي، للمستثمر بأن مدخراته ومشروعاته تنعم بالأمن والأمان دون محاباة لأحد على حساب أحد. واليوم تجني المملكة ثمار الحرب على الفساد، من خلال تحسين موقعها في التصنيفات الدولية المرتبطة بالنزاهة والشفافية والإصلاح ومحاربة الفساد، وغداً ستجني البلاد المزيد من الثمار، في صورة استثمارات داخلية وخارجية ضخمة، تترقب الفرصة للعمل في المملكة، واستثمار البيئة الصحية للنمو والتوسع.