لطالما أثار تطبيق تيك توك (TikTok) كمنصة اجتماعية الفضول والجدل لدى الكثيرين، من عدة نواحي إما أخلاقية أو اجتماعية من حيث المضمون والمحتوى، ولكن هذه المرة يظهر هذا التطبيق للعالم أجمع مجدداً، ليثير الفضول والجدل من جديد، بشكل أكبر مما سبق ومما كان متوقعاً، والإثارة في هذا الموضوع لها عدة أبعاد سياسية واقتصادية واستخباراتية وانتخابية. تجلت الإثارة في أوضح صورها وفصولها عندما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أنه سوف يوقف تطبيق تيك توك عن العمل في الولاياتالمتحدة الأميركية، لأنه مملوك لشركة بايت دانس الصينية، بسبب عدم تأمين وحماية البيانات الشخصية لمواطنين أميركان، خوفاً من استغلالها في عمليات تجسس عبر التطبيق لصالح الاستخبارات الصينية. ساند ترمب في ذلك، عندما صوت 336 نائباً في الكونجرس بمنع موظفي الحكومة الأميركية من تحميل التطبيق على أجهزة الجوال الخاصة بهم خوفا من التجسس على قواعد المعلومات والبيانات الحكومية. من جانبها أكدت الشركة المالكة للتطبيق، أنه ليس لها أي علاقة بالحكومة الصينية، وليس لديها أي أجندة سياسية، كما أن خوادمها (السيرفرات) موجودة داخل أميركا، طرحت بعض الأفكار كحل لهذه المشكلة، منها شراء تطبيق تيك توك من قبل بعض شركات التقنية الأميركية العملاقة مثل مايكروسوفت وفيس بوك، ولكن الأمر لم يحسم بعد. تخوف الرئيس الأميركي له ما يبرره، بغض النظر عن أي أجندة سياسية أخرى، كالتنافس الاقتصادي بين البلدين مثلاً، خصوصاً إذا ما علمنا أن التطبيق يستخدمه حوالي مليار شخص حول العالم، منهم ثمانين مليون مستخدم نشط يومياً في أميركا وحدها. ما يبرر تخوف الرئيس الأميركي، أنه لو امتلكت الصين بيانات هؤلاء المستخدمين وتم استغلالها ضد الولاياتالمتحدة الأميركية، فإن هذا سوف يشكل خطراً حقيقياً على الأمن القومي الأميركي، ولغيرها من الدول الأخرى مستغلةً بذلك امتلاكها لبيانات المستخدمين، علماً بأن الصين بلد قانون ونظام لكننا هنا نفترض لو حدث هذا الشيء، فإن تخوف الرئيس الأميركي مبرر ومنطقي. كما هو معروف فإن البيانات هي المستقبل القادم للعالم، وهي نفط القرن الحادي والعشرين، وهي الثورة الرابعة كما يقال. إلا أنها من وجهة نظري هي الخطر القادم والمهدد الأكبر للدول والمجتمعات، إذا لم يتم تأمينها وحمايتها بالشكل المطلوب من خلال الأنظمة والقوانين الجديدة وبرمجيات أمن المعلومات المتطورة، وللأسف فإن كثير من دول العالم مازالت متأخرة في هذا الجانب، خصوصا في الجوانب القانونية والتشريعية، مما يشكل خطراً على ثروتها وثورتها القادمة في آن واحد، والحروب القادمة سوف تكون حروب البيانات والمعلومات بين الدول والمجتمعات في العالم. لذا فإنه من الأهمية بمكان، أن نستفيد في المملكة العربية السعودية، من هذه الحادثة، وأن تعمل جهات الاختصاص والتشريع جنباً إلى جنب على سن الأنظمة والقوانين في هذا المجال، لحماية الوطن ومقدراته الاقتصادية والأمنية والاجتماعية، من أخطار القرصنة والتجسس المحتملة، التي لم تعد أي دولة في العالم بمعزل أو منأى عنها، ما لم تكن مستعدةً تماماً لذلك. * أستاذ نظم الحكومة الإلكترونية والمعلوماتية بجامعة الملك سعود