تعمل المملكة من خلال رئاستها مجموعة قمة العشرين في العام الحالي على أصعد مختلفة تسهم في تحقيق النمو والتطوير العالمي للدول الأعضاء في المجموعة وللعالم كافة، ومن ذلك تحقيق برامج التحول الرقمي الذي يسهم في خدمة البشر وتسهيل أدوات العمل ومختلف الخدمات في جميع القطاعات بدون استثناء، وهناك فريق عمل معني بهذا التحول يتولى دفته المهندس ناصر رئيس فريق عمل التحول الرقمي في مجموعة الأعمال السعودية B20، حيث يلقي من خلال هذا الحوار الضوء على دور الفريق والتحديات الذي تواجهه قضية التحول الرقمي الذي أصبح ضرورة للعالم أجمع. سد الفجوة الرقمية * ما دور فريق عمل التحوّل الرقمي في مجموعة الأعمال السعودية B20؟ * بصفتها صوت القطاع الخاص لمجموعة العشرين، تمثل B20 السعودية مجتمع الأعمال الدولي لجميع الدول الأعضاء في مجموعة العشرين وكافة القطاعات الاقتصادية. وينصبّ تركيز فريق العمل على تعزيز التحول الرقمي، من خلال معالجة مجموعة من التحديات وطرح توصيات سياسات تهدف لسد الفجوة الرقمية وتسهيل الوصول إلى البنية التحتية وصولاً إلى دمج الذكاء الاصطناعي في القوى العاملة وتعزيز الأمن السيبراني، ومن خلال فريق العمل لدينا، نقدم توصيات لقادة مجموعة العشرين والتي من شأنها تسريع التحول الرقمي بطريقة شاملة. فقادة B20 لا يحاولون فقط حل التحديات الرقمية بل يستكشفون الفرص التي يتيحها هذا المجال أيضاً. نحن نؤمن بالدور الجوهري للتحول الرقمي وقد شهدنا ذلك في مواجهة جائحة فيروس كورونا المستجد، وإعدادنا للتعافي في ظلّ هذا الواقع الجديد. فكما رأينا حول العالم، أصبح العمل عن بعد هو المستقبل بالنسبة إلى ملايين الشركات والعاملين. وبصفتي رئيساً لفريق عمل التحول الرقمي فيB20، أرى أنّ مستقبلنا يعتمد على تعاون مجتمع الأعمال الدولي لمعالجة هذه القضايا بشكل مباشر. في مثل هذه الظروف يوجد لدينا فرصة كبيرة لمساعدة الشركات والاقتصادات العالمية على الاستعداد للمستقبل وتوفير فرص للموظفين والمجتمعات من أجل تحقيق نمو مستمر. * ما الذي يمكن أن تفعله الحكومات لمواجهة هذه التحديات؟ * يبدأ كل شيء بالتعاون من كل القطاعات وبجهود دولية موحدة. وعندما ننظر إلى التحديات الناجمة عن فيروس كورونا يتضح أن طريق التعافي سيكون طويلاً خصوصاً في مواجهة الكثير من العوامل المجهولة. ففي ظلّ التراجع التدريجي في عمليات الإغلاق الشامل وفهم تأثيرها بشكل أفضل، لا بدّ من مشاركة أفضل الممارسات بين الدول والقطاعات وإنشاء قنوات جديدة لتطبيق أفضل الخطط بصورة فعالة وسريعة. وفي هذا الإطار، تتضح أهمية أن تنظر الحكومات إلى قطاع التقنية كشريك أساسي. وبالفعل، قامت مجموعة الأعمال السعودية مؤخراً بالإعلان عن خطة من ست نقاط تهدف إلى مكافحة الوباء العالمي الحالي وإرساء الأساسات اللازمة لمواجهة تفشّي المرض من جديد، وركزت المجموعة على اعتماد الرقمنة وتسريع التحول الرقمي لما لها من دور رئيس في التخفيف من آثار هذا الوباء. لذلك حثّت مجموعة الأعمال السعودية الحكومات في تقريرها الخاص الأخير تحت عنوان "الانطلاق السريع للاقتصاد العالمي في مرحلة ما بعد فيروس كورونا المستجد" على اعتماد الرقمنة بمسؤولية وأمان. كما يجب على الحكومات الاستثمار في عملية التحول الرقمي وتأسيس بنية رقمية قوية. كما ويجب أن يستثمر قطاع التقنية بدوره في تثقيف الشركاء الحكوميين والمواهب المحلية من أجل تعزيز المهارات والإمكانات اللازمة للمستقبل. وسيتيح هذا الأمر مزيداً من التكامل والفرص في مجالات كثيرة مثل التصنيع والنقل والتجارة والمركبات ذاتية القيادة والرعاية الصحية المخصصة وغيرها. كما يتعين على الحكومات توفير بيئة شاملة وموثوقة كي تزدهر التقنيات الرقمية. ونظراً لأن هذه التقنيات أصبحت عنصراً مهماً في عمل المؤسسات، لا بدّ أن يتم بناؤها وتعديلها بما يتناسب مع احتياجات الأسواق التي سيتم نشرها فيها. وهذا يعني أيضاً استكشاف طرق لدعم التنمية المحلية وتعزيز المهارات في المناطق الجغرافية الجديدة وفي كافة القطاعات خارج نطاق المراكز العالمية الحالية. وبالنسبة إلى القطاعات التي تمثل البيانات فيها أهمية بالغة، يجب وضع السياسات مقدماً لبناء الأطر والمبادئ التوجيهية التي تشجع مشاركة القطاع الخاص وتحافظ على مصالح الدول والأفراد في الوقت عينه. * ما العقبات الرئيسة التي تواجهها الحكومات في إنشاء المدن الذكية؟ كيف يمكن حلها؟ * تتجه معظم المدن الكبرى حول العالم وهنا في الشرق الأوسط نحو التحول إلى مدن ذكية. وتُطرح في هذا المجال ابتكارات متعددة مثل الثورة الصناعية الرابعة، والتنقل الذكي، والبيانات والذكاء الاصطناعي والمنازل الذكية بحيث يؤثر هذا التحول الرقمي على جميع جوانب المجتمع بما في ذلك طريقة عملنا وتواصلنا وعيشنا، في البداية، على الحكومات تحديد رؤيتها المتعلقة بالمدن الذكية وتوفير بيئة أكثر تحفيزاً لتبنّي هذه المدن بنطاق أوسع. يجب أن تتطور تنمية المدن الذكية لتصبح جهداً تعاونياً عالمياً وأن تتعاون المؤسسات والحكومات لبناء الحلول بما في ذلك البنية التحتية المناسبة والوصول إلى التكنولوجيا بحيث تصبح المدن الذكية واقعاً ملموساً، في موازاة ذلك، يعتبر اعتماد حلول المدن الذكية أمراً بالغ الأهمية لتحقيق النجاح. فبينما تقوم المدن برقمنة خدماتها، علينا تشجيع الناس على قبول هذه العروض والتعرف على فوائدها. ويتعين على الحكومات أن تطبّق هذه المبادرات بفاعلية وتشجع باستمرار على استخدام الخدمات الرقمية التي ستؤدي في النهاية إلى إنشاء مدن ذكية فعلية. الحكومات الناجحة هي التي تحدد رؤية واضحة تدعم الجهود المبذولة لتعليم وتثقيف أفراد المجتمع وتشجيعهم على تبني الخدمات. ففي نهاية المطاف ستحقق المدن الذكية فوائد اقتصادية هائلة للدول التي تأخذ بزمام المبادره. الجائحة والتحول الرقمي * كيف ساهمت جائحة كوفيد- 19 في دعم التحول الرقمي؟ * في حين أن العالم كان يتجه نحو التحول الرقمي بشكل كبير، فقد لاحظنا كيف أن الجائحة سرّعت وتيرة التحول بشكل هائل في فترة وجيزة. نحن نعلم أن جميع القطاعات سوف تضطر إلى التغيير وستلعب التقنية دوراً محورياً متنامياً. نلمس هنا في المملكة العربية السعودية علامات واضحة عن نمو الاقتصاد الرقمي حيث تحققت زيادة سنوية بنسبة 95 % في المدفوعات عبر الإنترنت في الفصل الأول من العام 2020. ووفقاً لاستطلاع حديث أجرته "كيرني" الشرق الأوسط ، ازداد تسوّق 95 % من المستهلكين السعوديين عبر الإنترنت. وهذه خطوة نحو المدفوعات غير النقدية التي تتماشى مع هدف رؤية 2030 ببلوغ المعاملات غير النقدية نسبة 70 %. تبرز حالياً حاجة ملحّة إلى أهمية وجود بنية تحتية متينة ومتقدمة في جميع البلدان. فعلى سبيل المثال، نرى أن الزيادة في التعاملات عن بُعد وتطبيقات الثورة الصناعية الرابعة سرّعت الاستثمار في البنية التحتية لشبكة الجيل الخامس 5G. وقد شددت هذه القضايا على أهمية عمل المجتمع المدني ومجتمع الأعمال والحكومة معاً للتخفيف من آثار الأزمة. سيؤدي التحول الرقمي إلى تغيير هائل في كيفية عمل الاقتصادات، ومن الضروري أن تكون القوى العاملة بجميع مستوياتها على استعداد للتكيف مع احتياجات المهارات والأدوات والمنصات المستقبلية لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام والشمولي. وكما سبق أن ذكرنا، إن ازدياد المخاوف بمواجهة موجة ثانية من الفيروس وخاصة في ظل غياب لقاح يعيد إلى الواجهة أهمية اعتماد وتسريع الرقمنة لمواجهة التحديات. ويحتم العيش في هذا الواقع الجديد ضرورة تعديل طريقة عملنا والقيام بالأعمال التجارية للمضي قدماً. ولا شك أن للرقمنة دوراً أساسياً في تحقيق هذه الأهداف. * هل من جهد تعاوني بين القطاعين العام والخاص لتحقيق التحول الرقمي الكامل؟ * بكل تأكيد، ومواصلة هذا التعاون من أولوياتنا. فمجموعة الأعمال السعودية تعمل وبشكل وثيق مع مجتمع الأعمال الدولي وقادة مجموعة العشرين لصياغة توصيات بسياسات شاملة معنية بالتحول الرقمي. ويعتبر التعاون بين القطاعين العام والخاص في هذا الإطار ضرورياً لتعزيز التحول الرقمي من أجل توفير بيئة تعزّز الأمان والنزاهة والثقة وتساهم في الازدهار الاقتصادي. ومع صياغة الحكومات للسياسات المناسبة لتطبيق أفضل الحلول الرقمية وحماية هويات وبيانات المواطنين، يتعين على قطاع التكنولوجيا في المقابل الاستثمار في المواهب المحلية لإبراز كافة الإمكانات اللازمة للمستقبل. كما سيؤدي التعاون في مجال التحول الرقمي إلى تحقيق الازدهار الشامل والمستدام للجميع في عدة مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والتصنيع الرقمي والتنقل الذاتي والتجارة الدولية. * لدى كثيرين مخاوف مرتبطة بالأمن والثقة عندما يتعلق الأمر بالخدمة الرقمية. كيف تتمّ معالجة هذه المخاوف؟ وكيف يمكننا تحقيق مجتمع تكنولوجي آمن؟ * مع تطبيق التحول الرقمي والاستخدام الموسع للتقنية، يناقش فريق عمل التحول الرقمي في مجموعة الأعمال السعودية B20 كيفية الاستفادة من هذه التقنيات على أكمل وجه، مع ضمان حماية الأفراد والمؤسسات العامة والخاصة من مخاطر الأمن السيبراني. ونحن نهدف للوصول إلى اقتصاد رقمي ناجح ومحصّن من المخاطر. ولا يخفى علينا أنّ هجمات الأمن السيبراني هي ضريبة الرقمنة ومن المتوقع أن تزداد. لذلك من المرجح أن يصل الإنفاق العالمي على الأمن السيبراني إلى 133.7 مليار دولار العام 2022. ومع تقدم استخدام التقنية في المجتمع، يتعيّن على الحكومات التعاون مع القطاع الخاص والمنظمات الدولية لتمكين القوى العاملة من خلال التعليم والتدريب لتأهيلهم في إدارة وتخطيط استراتيجيات الأمن السيبراني لحماية الأفراد والشركات الصغيرة والمتوسطة والحكومات. نحن في مرحلة زمنية يجب أن تصبح فيها المعرفة بالأمن السيبراني جزءاً أساسياً من عمليات المؤسسات وحياة الأفراد. ويمكن للحكومات أن تطلق مبادرات التعلم ولكن يجب أن تشجع الشركات على تحمل المسؤولية. سيكون الأمن عنصراً رئيساً في المستقبل من أجل ازدهار اقتصاد رقمي متين وشمولي ومستدام.