تبرز في الوقت الراهن ضرورة ماسة لإيجاد نظام دقيق لضبط مياه الري الزراعية، وإعطاء المياه الجوفية الوقت الكافي لكي تتجدد في باطن الأرض. فاحتياطيات المملكة من المياه الجوفية، التي يعود تاريخها إلى العصر الجليدي الأخير، يتم استهلاكها حالياً بشكل أسرع من قدرة الطبيعة على تجديدها، مما دفع البروفيسور ماثيو ماكابي، الخبير في تقنية الاستشعار عن بعد في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست)، للبحث عن حلول مبتكرة لأزمة المياه العالمية، من خلال تطوير نظام لقياس وتحديد كمية المياه الجوفية المستخدمة في الزراعة. ويعتقد مكابي أننا يجب أن ننظر لاستخدامنا للمياه في الزراعة على أنه شيء مثل الحساب المصرفي، ويقول: "عندما لا تعلم حجم حسابك المصرفي، وتستمر في الإنفاق بصورة أسبوعية ولا توجد فاتورة شهرية لذلك، نجد أنفسنا أمام مشكلة حقيقية، وبالنظر لاستهلاكنا غير المحسوب للمياه الجوفية، فإن المشكلة أعمق؛ لأنها تضع أمننا الغذائي على المحك". ويرى مكابي أن تقنية طائرات الدرونز قد تكون المفتاح لحل هذه المشكلة، وقد توصل لهذه النتيجة خلال عمله في مختبر الهيدرولوجيا والرصد الأرضي (Halo) في كاوست، حيث يجري أبحاثه في مجالات رسم خرائط للمناطق الزراعية، وتحديد نوع المحاصيل التي يتم زراعتها وصحتها، ومعدل استهلاكها لمياه الري. ولتحديد معالم وتضاريس المنطقة المراد مسحها، يستخدم ماكبي وفريقه تقنيات ومعدات تصوير متنوعة كالدرونز، فضلاً عن الاستعانة بالأقمار الاصطناعية، يتم تجهيز طائرة الدرونز بكاميرات حرارية وأجهزة استشعار يمكنها مراقبة، على سبيل المثال، محتوى الكلوروفيل والإجهاد المائي للنبات، كما يستخدم الفريق صورًا من أقمار اصطناعية صغيرة بحجم صندوق الفاكهة تسمى كيوب ساتس (CubeSats) من صنع شركة بلانت الأميركية (Planet). وبذلك يمتلك الفريق المقومات اللازمة لتحليل صور الأراضي الزراعية بدقة وضوح عاليتين، تصل لثلاثة أمتار للبيكسل يومياً. والحصول على صور للأراضي الزراعية هو مجرد البداية فقط، إذ أن العمل الحقيقي يكمن في تحليل بيانات هذه الصور وتفسيرها، وهنا يأتي دور وخبرة مختبر الهيدرولوجيا والرصد الأرضي في كاوست، حيث يقوم مكابي وفريقه باستخدام التعليم الآلي والذكاء الاصطناعي، لتحديد ووصف حقول زراعية محددة، والخروج بنتائج مقاسة بالتيرابايت والبيتابايت. الجدير بالذكر أن معظم الحكومات في العالم لا تحتفظ بمثل هذه البيانات، بل إن معظم الدول لا تمتلك معلومات دقيقة عن العدد الفعلي للحقول الزراعية فيها، وبالتالي كمية المياه التي تستخدمها هذه الحقول. ويقول ماكابي: "للأسف، لا يتم الاهتمام بالمياه الجوفية بالقدر الذي نجده في سلعة مثل النفط مثلاً، خصوصاً أنه توجد بدائل كثيرة للنفط، ولكن لا يوجد بديل واحد للماء". وحدد فريق مكابي في وقت مبكر من هذه الدراسة، كمية المياه المستخدمة في الزراعة لإنتاج المحاصيل في المملكة بمعدل 24 مليار متر مكعب سنوياً، وهو عدد ضخم يعادل أكثر من عشرة أضعاف ما تنتجه الدولة من مياه عذبة باستخدام تحلية المياه المكلفة. ويوضح أن جهود فريقه منصبة على رسم الخرائط، وتحديد الحقول الزراعية في المملكة، ويقول: "نقوم بزيارة الحقول الزراعية والتعرف على نوع المحاصيل فيها، ونسجل هذه البيانات ثم نعالجها باستخدام نماذج حاسوبية للتنبؤ بكمية المياه المستخدمة. وأصبح لدينا الآن آلية متطورة لتقدير كمية المياه الجوفية المستهلكة في الزراعة، لم تكن موجودة من قبل، وبدقة وضوح ليست موجودة في أي بلد آخر". يعمل مكابي وفريقه في كاوست مع الحكومة السعودية لتقدير استهلاك المياه في العمليات الزراعية المحلية، ولكنه يأمل مستقبلاً في تطبيق نموذجه ليغطي جميع مناطق العالم مما يساهم بشكل فعلي في تحقيق الأمن الغذائي العالمي. ويقول مكابي: "إذا تم تحديد تسعيرة معينة على المياه في الزراعة، وتم رصد استهلاكها من الفضاء باستخدام التقنيات التي تم تطويرها في كاوست، فإن ذلك سيعزز جهود الحفاظ على الماء".