تفتقد كثير من مجالسنا لآداب الحوار، فالحوار وسيلة ابتدعها البشر يتبادلون من خلالها الأفكار ويتناقشون في المسائل المختلفة وهو وسيلة للوصول إلى الحقيقة ووسيلة لحل الخلافات والمشكلات بين فئات المجتمع المختلفة، وقد حاور الله سبحانه ملائكته حين وضح لهم أنه سيجعل في الأرض خليفة ليعبده ويعمر الأرض، وقد حاور سبحانه إبليس حين افتخر بأصله، ورفض السجود لآدم فأمهله الله إلى يوم القيامة وأنظره؛ فالحياة مبنية على الحوار بين البشر فالمعلم يحاور تلاميذه، والزوج يحاور زوجته، والأب يحاور أبناءه، والدول المختلفة كثيراً ما تبعث وفوداً عنها للتحاور فيما بينها لحل مشكلاتها المختلفة. إن الغاية من الحوار إقامة الحجة والنقد ودفع الشبهة، والفاسد من القول والرأي، فهو تعاون من المتناظرين على معرفة الحقيقة والتوصل إليها ليكشف كل طرف ما خفي عن صاحبه منها والسير بطرق الاستدلال الصحيح للوصول إلى الحق. هذه هي الغاية الأصلية وهي وأهداف فرعية أو ممهدة لهذا الغاية منها إيجاد حل وسط يرضي الأطراف والتعرف على وجهات نظر الطرف أو الأطراف الأخرى، وهو هدف تمهيدي للنقد والبحث والتنقيب عن المعلومة الصحيحة من أجل الاستقصاء والاستقراء في تنويع الرؤى والتصورات المتاحة من أجل الوصول إلى نتائج أفضل، الخلاف واقع بين الناس في مختلف الأعصار والأزمنة وهو سنة الله في خلقه فهم مختلفون في ألوانهم وألسنتهم وطباعهم ومعارفهم وعقولهم وكل ذلك آية من آيات الله نبّه عليه القرآن الكريم في قوله تعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْعَالِمِينَ) وهذا الاختلاف الظاهري دال على الاختلاف في الآراء والاتجاهات والأعراض لقول الله تعالى (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ". فلو شاء الله جعل الناس على دين واحد بمقتضى الغريزة والفطرة لا رأي لهم فيه ولا اختيار، وعلى الرغم من حقيقة وجود الحق وتباينه فهذا التباين بين الناس في عقولهم ومدركاتهم وقابليتهم للاختلاف إلا أن الله وضع على الحق معالم وجعل الصراط المستقيم واضحاً.