مع دخول تنفيذ اتفاقية أوبك الكبرى شهرها الثالث ثمة متغيرات جوهرية في طريقة عمل المتفقين أصبحت سمة جديدة في الاتفاق رفعت من مستوى الأداء الجماعي وإسهاماتهم في إنجاح الاتفاقية. هذه المتغيرات حصلت نتيجة تبني طريقة جماعية لتحسين الأداء وإدارة سوق النفط بمسؤولية جماعية. القيادة السعودية للاتفاق ممثلة بسمو وزير الطاقة صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سلمان بن عبدالعزيز؛ هي قيادة ديناميكية دقيقة في تحديد الهدف وشاملة في توزيع مسؤولية تحقيقه. نسب الالتزام عن شهر يونيو تجاوزت 100 % في النسبة الكلية ولكنها أيضاً جاءت مميزة في النسب الفردية لالتزام كل دولة. إقناع الدول غير الملتزمة لم يعد مهمة السكرتارية العامة للمنظمة أو كبار المنتجين بل أصبح مهمة الدول في الضغط الداخلي بين الأعضاء لتحقيق الهدف. هذا النمط من العمل الجماعي كان غائباً تماماً قبل تواجد الأمير عبدالعزيز على كرسي القرار.. المصلحة المنفردة لتجاوز إحدى الدول أصبح تهديداً لمصالح بقية الدول ومن هنا جاء موقف سمو وزير الطاقة بضرورة تمكين سياسة المحاسبة الإنتاجية وتفعيل دور اللجنة الفنية لمراقبة خفض الإنتاج. سياسة المحاسبة الإنتاجية مسؤولة أيضاً عن تبني الدول لطريقة الخفض التعويضي للدول التي لم تفِ بالتزامها الفعلي لخفض الإنتاج. تحقيق هذا المستوى من التكامل العملي ليس من أجل إنجاح الاتفاقية فحسب، ولكن أيضاً من أجل دعم الصناعة النفطية التي ترزح تحت ثقل المعوقات المالية الباهظة والمخاطر التشغيلية المرتبطة بالصناعة النفطية. هذه الصناعة النفطية تمر بتحديات كبرى على رأسها التدفقات الاستثمارية في تطوير حقول نفط جديدة أو استكشاف وتطوير مناطق إنتاج لأسواق واعدة. تجاوز خفض الإنتاج في العراق أو نيجيريا أو كازاحستان أو أي دولة أخرى كفيل بتأخير توازن أسواق النفط وضاغط على المصفوفات الربحية على تطوير مشروعات غايانا أو الأرجنتين أو فييتنام أو شرق الأبيض المتوسط. الشركات العاملة في الصناعة النفطية شديدة الحساسية للمصفوفات الربحية في هذا الشأن، وهو ما قد يدفع الكثير منها إلى تخفيض قيمة أصولها حتى لا تقع في المساءلات الاستثمارية مع المستثمرين. تخفيض قيمة الأصول سيعود عكساً على الدول المتجاوزة لخفض الإنتاج حتى ولو بعد حين. تسعى الصناعة النفطية إلى التواجد في أسواق جديدة ولكن ما لم يتحقق توازن في أسواق النفط فلن تحقق الشركات العاملة الربحية وبالتالي لن يتم خلق هذه الأسواق بشركات تطور البنية التحتية للطاقة في هذه الأسواق. لطالما كان الالتزام بخفض الإنتاج معضلة كبرى في طريق اتفاقات أوبك إلا أننا نشاهد مؤخراً تعاطياً جدياً من مختلف الأطراف. إدارة الاتفاق لم تعد مرتبطة بالاجتماعات فقط، بل أصبحت أكثر مرونة بفعل توزيع المهام والمسؤوليات على جميع الأطراف. الظروف الاقتصادية قد تفرض محدودية سعرية إلا أن توازن أسواق النفط أصبح ضرورة لما بعد الأزمة الاقتصادية لكورونا المستجد وهو ما يقود من خلاله سمو وزير الطاقة مجهودات كبيرة مع كل الأطراف لتحقيق الهدف.