يزخر الوطن بعدد كبير من شعراء الجيل، الذين يستحقون الدعم والتشجيع، فقد أسهم كثير منهم من الموهوبين في تعزيز مكانة الشّعر في المجتمع والرفع من شأنه.. وما من شك أن المهارات والقدرات التي يوظفها شعراء الجيل المتمكنون تُعد من أهم العوامل التي تميزهم عن جيلهم السابق، ولحرصنا على أن يصل صوت الشّعر الصادق والمؤثر والمّفيد.. طرحت "الرياض" هذا التحقيق على عدد من الباحثين والشعراء لتسليط الضوء على هذا الموضوع. في البداية وصف الشاعر والباحث الفلسطيني مثنى عصام شعبان بأن شعراء الجيل لم يقوموا بأدوارهم وتجاهلوا رسالة الشّعر، لأسباب عدّة منها على حد كبير أنهم لم يجدوا المُتَلقي القارئ والمستمع والناقد ليبدعوا قصائدهم، وأصبحت رهينة مخطوطاتهم وقلوبهم ودواوينهم، ومن الأسباب أيضًا انغماس عدد كبير في أمور كثيرة لا داعي لها، مثل التشنج في الرأي على حساب آراء أخرى جعلهم شعراء رسالة خاصة، والمفترض أن يحمل الشّعر رسالة عامة إنسانية حتى يكون شِعرًا، كما أن بعض الشعراء تاهوا في الرمزية المبهمة والرمزية الغامضة، فلم تصل رسالتهم بسبب المبالغة في الرمزية، التي جعلت المتلقي لا يفهم رسالتهم، وأصبح شِعرهم مقتصرًا على شريحة صغيرة من المجتمع، والشاعر الشعبي كان أكثر نجاحًا في إيصال رسالته؛ لأنه قدمها باللغة التي يفهمها المتلقي، ومع ذلك أخفق شعراء الجيل بشكل عام في إيصال رسالة الشعب. والشاعر الحقيقي هو الذي يتبنى مشاعر العامة وهمومهم، ويقدم الشّعر الذي إذا ما ترجم إلى أي لغة فإن معناه يصل، ويكون مفيدًا، فكلمة شاعر جاءت من المشاعر، فإن كانت مشاعره صادقة ومرهفة وجميلة قدم ما يشبهها، ويجب أن يكون فارسًا يتحلى بأخلاق الفرسان من كرم وإقدام ونخوة وشهامة ومكارم أخلاق حتى ترتقي قصيدته، ويتمكن من خلالها من تبليغ رسالة الشّعر، وهذا ما لا نجده كثيرًا في أيامنا. وتقول الشاعرة البحرينية هنادي الجودر "مستشارة قانونية": في رأيي شعراء الجيل أصبحوا أكثر مبادرة لإيصال رسالة الشّعر بدليل تفاعلهم الحي مع كل حدث أو شأن مجتمعي أو إقليمي أو حتى دولي، رسالة الشّعر تجدها واضحة في أغراضه الواضحة وفي تفاعل الشعراء مع موضوعات الساعة وأحداثها، شعراء الجيل في عصر الثورة التكنولوجية صار الخيار بيدهم لإيصال رسائلهم وفهم من يملك ناصية أحرفهم ووسيلة إيصاله، ووسائل التواصل الاجتماعي لها دور كبير في احتواء حاملي رسالة الشّعر الحقيقية. آل معني: على الشعراء الجدد تقديم الجميل والمفيد الزيادي: يجب أن يجتهد الشاعر لإنتاج نص مؤثر العطوي: موضوعات الشّعر المعاصرة مختلفة عن السابق ويرى الشاعر السعودي مهدي العطوي أن الشّعر رسالة وعلى الشاعر أن يحمل هذه الرسالة على عاتقه من خلال ما يقدّمه من نصوص، فمن خلال الشّعر يمكن تقديم رسائل اجتماعية وأخلاقية وغيرهما من الرسائل المُفيدة التي تُفيد المجتمع وتُسهم في إصلاحه كالنصائح والحكم.. وهو حاضر في حل قضايا وظواهر اجتماعية وغيرهما من الأمور، وللإجابة عن محور التحقيق، نعم شعراء الجيل جددوا في الأسلوب والموضوعات والأفكار بناءً على معطيات العصر الحالي، وما نعيشه من زمن العولمة والتطوّر في مواقع التواصل الاجتماعي فقد أثر في نتاجهم الشّعري، وأصبحت موضوعات الشّعر المعاصر مختلفة كليًّا عمّا كانت عليه سابقًا. أما الشاعر خالد عبدالرحمن السبيعي فيقول: حقيقة الشّعر كان وما زال وسيلة من أهم وسائل إيصال الرسائل الهادفة للمجتمع، والشاعر بطبيعته قد يلتفت إلى موضوع يثير عاطفته فيبادر بكتابة قصيدة قد يخلدها له القلم وتبقى للأجيال عندما تلامس إحساس وحاجة المجتمع، فالكلام الخارج من القلب يسهل دخوله للقلوب، والعرب كانوا وما زالوا يتأثرون بالكلام البليغ، فلا غرابة إن تأثروا بكلمات شاعر تلامس مشاعرهم واحتياجات مجتمعهم، وقرأنا وسمعنا كثيرًا من الأمثلة في هذا العصر من تلك القصائد الرنانة، التي تؤثر في المجتمع، وقد يكون طرق القصيدة من السهل الممتنع، فتلقى قبولًا أكثر من القصائد التي يتعب في كتابتها شاعرها؛ نظرًا لكونها تناسب جميع طبقات المجتمع ويفهمها الجميع، وعلى سبيل المثال قصيدتي في المعلّم وآداب الطالب "ألا يا الورد الشاذي.. أنا أحترم أستاذي" تم تداولها بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي بصوت محمد العويس ومسلم المنهالي، والقضايا التي تحتاج لقلم شعراء الجيل كثيرة في وقتنا الحالي، وقد تطرق عديد منهم إلى بعض تلك القضايا، وفي المقابل هناك من لم يلتفت أبدًا لرسالة الشّعر، وقد تكون النسبة العظمى منهم، والسبب في ذلك قد يعود لكون الجمهور يميل أكثر إلى قصائد التسلية والترفيه العاطفي، والشاعر في هذه الحالة عندما يعلم أن أغلب جمهوره يبحث عن غرض معين في الشّعر كغرض الغزل، فمن الذكاء أن يعطي جمهوره ما يريد، لا سيما إن كان مبدعًا ومتمكنًا، وهذا قد يكون سببًا قويًا لابتعاد الشاعر عن الشّعر الهادف، لكن قد يخرج من بين تلك السهام الوردية سهم يصيب الهدف وتصل به رسالة مهمة للمجتمع. السبيعي: قد يخرج من السهام الوردية سهم يصيب الهدف شعبان: بعض الشعراء لم يجدوا المُتَلقي القارئ والمستمع والناقد الجودر: رسالة الشّعر واضحة في موضوعات الساعة وأحداثها ويوضح الشاعر خالد الزيادي "الشاعر الحقيقي لا يجهل أن الشّعر رسالة تسمو بالكلمة الصادقة، والحس المرهف، فهو ليس صنعة يمكن لأي إنسان احترافها، ولا أداة يستطيع تملكها أي شخص، ومما لا شك فيه أن شعراء هذا الجيل لم يتجاهلوا رسالة الشّعر.. لكنهم أصبحوا متذبذبين بين واقع الحياة، وسرعة العصر، وبين الفكر الناضج المتفتح المتعلّم، فشاعر الحداثة يستطيع مُحاكاة الواقع بأبيات بليغة، متخذًا طريقة السهل الممتنع، عكس شعراء الجيل القديم؛ لأنهم شعراء فطرة فتجد الحكمة البليغة، والتوجيه الصائب، والتعب يغلب على أبياتهم، ويحاكي الواقع، وبالنسبة لنا نحن شعراء هذا الجيل دائمًا حريصون كل الحرص على إيصال رسالة الشّعر السامية والمفيدة، وكثير من زملائي الشعراء حقيقة قدموا إنتاجًا أدبيًا وافرًا يعالج قضايا دينية واجتماعية وسياسية، وهناك نصوص شِعرية قوية جدًا تجبر المتلقي على الانجذاب لها، وذلك لتعدد ثقافاتهم والتغيرات التي مرّت عبر سنوات، فزادت الخبرات، وأصبح شاعر هذا العصر مثقفًا ومطلعًا وكذلك الجمهور، ولا نختلف أن هناك فروقات بين شاعر وآخر حسب بيئة ومناخه الشاعري. وطالب الشاعر عبدالرحمن آل مغني قائلًا: علينا كشعراء الجيل الجديد أن نقدّم الجميل والمُفيد من الشّعر الذي يحمل المضامين الهادفة التي تُفيد الفرد والمجتمع وتُسهم في الإصلاح.. وعندما يدرك الشاعر هذا الأمر سيكتب له النجاح، وكما يعلم الواعون منا أن الشّعر بكل تأكيد رسالة سامية، وحسب وجهة نظري أن شعراء الجيل انقسموا ما بين من اتخذ من شِعره الأهداف النبيلة، فأصبحت أشعاره على لسان العامة، والقسم الآخر أشعاره لا تحمل رسائل هادفة؛ لذلك لن تصل ولن يبقى لها أثر!. خالد الزيادي مهدي العطوي خالد السبيعي مثنى شعبان هنادي الجودر