استعرضتُ في مقال سابق بعض المفاهيم الأساسية للإجهاد الأرضي حيث أوضحنا مفهوم الإجهاد الأرضي وأسبابه وبعض تأثيراته على الإنسان. وفي هذا الجزء نستعرض بشكل أعمق: (1) تطور الأبحاث العلمية في مجال الإجهاد الإرضي والإشعاعات الأرضية، ثم نتطرق إلى (2) طرق وأدوات قياسات الإشعاعات الأرضية الموجودة حالياً و(3) مجالات تطبيقها سواء على النطاق الضيق للمنازل وأماكن العمل المحدودة، وأيضاً (4) التطلعات لتوسيع التطبيقات لتشمل التنمية العمرانية بمفهومها الأشمل وكافة الأحوزة العمرانية المزمع تطويرها، وأخيراً (5) سندرج مجموعة من التوصيات التي نأمل أن تكون محط اهتمام المختصين في هذا المجال. كما سبق فإن الإشعاعات الأرضية تصدر عن المجالات الكهرومغناطيسة Electro Magnetic Fields EMF المصاحبة لدوران كتلة المعادن المنصهرة في باطن الأرض بسرعات رهيبة وتحت درجات حرارة عالية ومستويات عالية للضغط الجوي. وتظهر الاختلالات الواضحة والمؤثرة في مستويات تلك الإشعاعات ومستويات ذلك المجال المغناطيسي عند وجود أي اختلالات في تكوين القشرة الأرضية القريبة من السطح مثل التكوينات الصخرية أو بعض المخرات والمجاري المائية تحت الأرض التي تحتك بتلك التكوينات، فالتعرض المستمر بشكل يومي دائم لهذه الإشعاعات يسبب اختلالاً بمستويات الطاقة التي يعيش فيها الإنسان بشكل يومي مما يرفع مستويات عدم الارتياح والشعور بالإجهاد ويرفع احتمالات التعرض للعديد من الأمراض والاختلالات الصحية. وهنا يكمن الخطر فإن اختيار مواقع المباني سواء لسكن الإنسان أو موقع مبنى عمل الإنسان في موقع ترتفع فيه مستويات الإشعاعات الأرضية E-Rays بكل تأكيد ينجم عنه تلك الأضرار. بداية فنحن نؤكد أنه مايزال هذا الموضوع المهم والخطير خاضعاً لمجموعة من الأبحاث العلمية ما بين مؤيد ومعارض. فمن جانب يقلل المعارضون من أهمية الإشعاعات الأرضية ويقللون من تأثيرها على الإنسان. وعلى الجانب الآخر أظهرت الأبحاث المؤيدة مجموعة من التأثيرات الضارة والخطيرة التي يصاب بها الإنسان عند التعرض لمستويات عالية من الإشعاعات الأرضية لأوقات طويلة، وذلك يحدث في الأماكن التي يمكث فيها الإنسان طويلاً مثل أماكن النوم وأماكن العمل. تلك التأثيرات ليست قصيرة المدى وإنما تحدث على المديين المتوسط والطويل من التعرض للإشعاعات الأرضية بشكل يؤدي لحدوث الأضرار بشكل تدريجي وغير محسوس إلى أن يُفاجأ الإنسان بالأعراض والشكوى من العدوى المتكررة ونقص المناعة والأمراض غير مفهومة السبب أو غير واضحة التفسير. وتم تقسيم تلك الأعراض إلى ثلاثة مستويات. المستويات المبدئية: وتتراوح من الشعور بالإرهاق خاصة في الصباح إلى الإجهاد وبعض من الصداع شبه المزمن. المستويات المتوسطة: والتي يمكن أن نرصد فيها بعض آلام المفاصل والعمود الفقري والأعراض شبه الروماتيزمية. المستويات المتأخرة: والتي قد ترصد بعض الأورام وأعراض الاكتئاب وعدم الاستجابة للعلاجات المختلفة. والسبب الرئيس هو وجود الإنسان في مواقع تلك الإشعاعات لفترات طويلة ومتكررة. وهنا تظهر أهمية تجنب تلك المواقع سواء في أماكن السكن أو العمل أو الدراسة أو في أماكن التنمية العمرانية التي يحيا فيها الإنسان لفترات طويلة من مسكن أو مكان عمل أو حتى مدرسة لأطفالنا. مدفوعة بذلك اهتمت البحوث العلمية برسم شبكة أرضية تحدد مستويات تلك الإشعاعات والمناطق التي تحتوي مستويات عالية وتمثل خطورة من تلك الإشعاعات لتجنب الأنشاء والتطوير العمراني فيها. فقد ذكر تقرير معهد فيينا بحوث المستهلك (1987) عن قاطني المنازل التي تقع في المناطق ذات المستويات العالية للإجهاد الأرضي وجود ارتباط بين ارتفاع مستويات الطاقة كهرومغناطيسية الناتجة عن الإشعاعات الأرضية وبين اختلال مستويات بعض الهرمونات البشرية والإنزيمات. وماتزال الأبحاث العلمية في هذا المجال تتقدم بشكل مطرد. ومن الملاحظ أن تلك البحوث العلمية والشبكات لقياس الإشعاع الأرضي نشأت في الدول الناطقة بالألمانية مثل ألمانيا والنمسا وسويسرا ومن ثم انتشرت إلى الكثير من أنحاء العالم. فقد تمكن بعض العلماء في تلك البلاد من تجهيز خرائط لقياس مستويات الإشعاع في أماكن مختلفة، ومن ثم يمكنهم مقارنة تلك المستويات التي يتم قياسها بالمستويات المسموحة لصحة الإنسان. وبناء على ذلك يمكن التوصية بالسكنى في تلك المناطق أو تغييرها للمناطق الأفضل. وبالتالي نجد حالياً أن من أشهر شبكات قياس وتوقيع مستويات الإجهاد الأرضي المعترف بها والمعمول بها عالمياً شبكة كيري وشبكة هارتمان وشبكة بنكر. وجميعها تعتمد على تقسيم مسطح العمران/البناء إلى شبكات طولى وعرضية أو قطرية على مساحات تتراوح من 3.00م إلى 4.50م وقياس مستويات الإشعاع عند تقاطعات تلك الشبكات. فهي بذلك تكون أشبه بالميزانية الشبكية أو الرفع المساحي لدى المختصين في علوم المساحة ورفع مناسيب الأراضي. وفيما يخص طرق ووسائل قياس تلك الإشعاعات فقد صاحب ابتكار تلك الشبكات ابتكارات أخرى تطبيقية لتطوير وأجهزة للقياس (هارد وير) تقيس وتسجل مستويات الإشعاع عند كل شبكة. ومن أمثلة أجهزة القياس هارتمان سكانر HARTMANN SCANNER وأجهزة أخرى مشابهة تحت مسميات تجارية متعددة. وعلى الرغم من أنه يوجد حالياً بالفعل بالأسواق مجموعة من الشركات المتخصصة في تطبيق الإجهاد الأرضي وقياس الطاقة الناشئة عن الإشعاع الأرضي. فمن الناحية التطبيقية والعملية لازالت تلك الشركات يعيبها أنها على نطاق محدود يغطي مساحات محدودة من الأراضي مثل قطعة أرض في مخطط تقسيمي أو غرف منزل أو أماكن العمل. وما يزال المشوار طويلاً وعلى مستوى محدود علمياً وتطبيقياً فتلك الشبكات والقياسات لا تغطي كل المواقع على نطاق واسع وتحتاج إلى المزيد من الأبحاث. (4) ونحن نتطلع إلى توسيع النطاق التطبيقي لعلوم الإجهاد الأراضي ومستويات الإشعاع الأرضي وذلك لتحقيق هدفين أساسيين: * توسيع الشبكات قياس الإشعاع وعمل شبكات قياس عالمية تغطي مساحات كبيرة ويمكن إدماجها مع التطبيقات المساحية الموجودة على غرار GOOGLE MAPS وGOOGLE EARTH والتطبيقات التكنولوجيا الأخرى. * تطوير أجهزة وتكنولوجيا القياس لإنتاج أجهزة حديثة قادرة على القياس بدقة وعلى مساحات كبيرة مثل المدن والقرى والأحياء وذلك تمهيداً لتوقيع تلك القياسات على الخرائط المساحية. مما سبق يمكننا أن نربط بين موضوع الإجهاد الأرضي والإشعاعات الأرضية وبين الثروة العقارية من خلال استحداث مجموعة من التوصيات بخصوص معايير حسن اختيار مواقع التنمية العمرانية والتطوير العقاري والتي يجب تضمينها في النظم البنائية المتبعة في مختلف البلدان بحيث تصبح مستويات الإشعاع ضمن معايير وأكواد اختيار الأطلس العمراني للحفاظ على الثروة العقارية وهي من أهم روافد أعمدة الاقتصاد الوطني والأهم من ذلك الحفاظ على الثروة البشرية التي هي عماد التطور وعماد الحياة. فنحن نوصي المهتمين من صناع القرار بتبني ذلك المشروع الرائد والذي يعمل على عدة محاور منها ما هو طويل المدى ومنها ما يمكن يطبق على المدى القصير. فعلى المدى الطويل نوصي بالتالي: تطوير وتعميم نظم المعلومات الجغرافية لعمل شبكات واسعة تغطي الأحوزة العمرانية. تطوير وإنتاج أجهزة قياس الإشعاع الأرضي بشكل واسع وليس على نطاق ضيق كما هو متبع حالياً. التحالف مع البلديات والمخططين العمرانيين لتضمين كود البناء بنداً ينص على الدراسات الإشعاعية الأرضية ومن ثم عمل آلية للتوصيات باختيار مواقع البناء والتطوير العمراني. في المقابل وعلى المدى القصير -إلى أن يتم تطوير هذا المشروع الطموح- يمكن التوصية بعمل القياسات لكل موقع بناء أو قطعة أرض في مخطط تقسيمي على حدة قبل الشروع في البناء أو التطوير حتى يمكن للمطور العقاري -المهتم بالموضوع- اتخاذ القرار بالبناء في هذا الموقع او الانتقال لموقع آخر تقل أو تنعدم فيه مستويات الإشعاع الأرضي. وأيضا بالنسبة للمباني القائمة يمكن قياس مستويات الإشعاع والتوصية بإعادة ترتيب الأثاث أو المكاتب بحيث لا تقع على تقاطعات الشبكات التي تزداد فيها مستويات الإجهاد الأرضي والإشعاعات الأرضية.