عندما تم الإعلان عن طرح مسلسل "وساوس" كأول تجربة درامية من نوعها على منصة "نتفليكس" أصبح الجميع وفي المقدمة جمهور هذه المنصة العريض في المنطقة مهتماً بالعمل حتى يضع رؤيته النقدية وتقييمه له، فالجميع يتعامل مع الأعمال التي تُعرض على هذه المنصات وخاصةً إذا ما كانت من إنتاجاتها، باهتمام كبير بخلاف ما يحدث مع الأعمال التي تُعرض على التلفزيون، ربما لأهمية هذه المنصات وضرورة أن تكون الأعمال المقدمة من خلالها ذات جودة عالية، ذلك لأن معايير المنافسة عالمية، حيث تنتج لكل الأجناس ولذلك يجب أن يرتقي كل ما يُقدم فيها إلى مستوى المنافسة وبالتحديد "العمل السعودي" طبعاً، فالتقييم هنا لا يخضع لأي مجاملة أو مبالغة. مسلسل "وساوس" المكون من ثماني حلقات أوكلت مهمة إخراجه لأشهر مخرجة سعودية "حالياً" خاصة فيما يتعلق بالمهرجانات، وهي هناء العمير، التي اختارت أن تكون هي المسؤولة عن السيناريو والحوار بدلاً من أن تركز على دورها على الإخراج، وتترك السيناريو والحوار لأهل الاختصاص، والذي ظهر ضعيفاً ليس بمستوى الصورة التي تفوقت على كافة العناصر الأخرى. عمل يقوم بأكمله على قصة لا تحتمل أي غموض، قصة بسيطة عن رجل أعمال تزوج من امرأة يحبها وحارب الجميع من أجلها، قام بتربية ابنتها من زوج سابق وابنة أخرى أنجبها من هذه الزوجة ووفر لهم كل سبل الراحة، قصة لا مجال فيها للكراهية ولا للجريمة. تقوم الحكاية على نفس الأحداث في كل حلقة مع "فلاش باك" خاص بزاوية كل شخصية ورؤيتها وتفسيراتها، حيث تختلف النصوص في كل حلقة رغم أن المواقف نفسها، وهو أمر مفهوم وذكي جداً لو كان الاختلاف في جملة بحسب "سيكولوجية" كل شخصية، لكن أن يختلف الحوار تماماً وحتى تفاصيل المشاهد من حلقة للثانية فهذا ببساطة دليل على أن الحبكة كانت تخرج من زاوية "الشخصية" إلى زاوية "الارتجال". الضحية في العمل هو الزوج الذي أدى دوره النجم عبدالمحسن النمر، والذي رفع بقوة أدائه من مستوى العمل كما يفعل في أي عمل يتواجد به، ليس ذلك وحسب بل حتى أداء الفنانات أمامه في كل مشهد كان يختلف عن مستوى أدائهن في المشاهد الأخرى، ضحية بدأ العمل وانتهى دون أن تقدم العمير سبباً واحداً مقنعاً ليتم إنهاء حياته عنوة، فهو زوج متفانٍ، وصديق جيد، وأخ لديه مبدأ جعله يقطع علاقته بشقيقته التي قامت بدورها إلهام علي والتي قدمت أداءً جيداً للغاية للأخت الشريرة المتآمرة، رغم أن العمل لم يتناول هذه الشخصية بذكاء. الممثلون بشكل عام في العمل قدموا أداءً جيداً للغاية رغم تقلبات "اللهجة" الذي لا نفهم كيف فات على المخرجة تصحيحها خاصة للفنانة شيماء الفضل، إلا أن النص أفقد تلك الشخصيات قدرتها على الإقناع، الجميع يتصارع ويتآمر بسبب "تطبيق إلكتروني" تدور حوله كافة الأحداث، لتبدأ الحكاية وتنتهي نهاية مفتوحة متروكة لمخيلة المخرجة فقط، نهاية لم تترك أي خيوط أو معطيات لمخيلة المشاهد وتحليلاته. لماذا قد يرغب أي أحد بقتل البطل؟ هذا هو السؤال الذي لم تتم الإجابة عليه في نهاية المسلسل، حتى شخصية إبراهيم التي حاولت المخرجة أن تترك الشكوك تدور حوله لم نفهم كيف وصلت من الأساس لزوجة البطل السابقة، ولا حتى كيف غير اسمه أو لماذا، حتى عندما تم زج "الإرهاب" في منتصف الأحداث لم يكن مفهوماً كيف لهذا الإرهابي أن يغير اسمه ويخترق حياة البطل وكل النساء من حوله لينتقم منه على حرمانه من ابنة، كان من الممكن أن يصل لها دون "جهد"، فهي كما أظهرها المسلسل تنتظر رجوع والدها ولقاءه ولا تعرف عن ماضيه شيئاً لتكرهه! يصر صناع الدراما على هذه التطبيقات، خاصةً القادمين من صناعة السينما، على أن تكون مسلسلاتهم التي يقدمونها عبر هذه المنصات أعمال مغلفة بالغموض والإثارة والصراعات النفسية والجريمة، معتقدين أن الصورة والموسيقى التصويرية هما أهم عنصرين لإقناع المشاهد، بينما يضعون النص في آخر قائمة اهتماماتهم ولذلك دائماً ما يكون الأضعف، حيث يبدؤون بفكرة جيدة يفقدون خيوطها مع مرور الحلقات، لذلك تأتي الكثير من الأحداث غير المبررة، والكثير من الحشو الذي يُفقد الحبكة توازنها وإقناعها، حتى يصلون لنهاية هم أنفسهم لا يملكون تفسيراً لها!، تماماً كما حدث في "وساوس" الذي نجح بسبب بسيط "المنصة"، بينما كان من الممكن أن ينجح بالقليل من المراجعة والكثير من التركيز.