شهد الأسبوع الماضي مفارقة ذات دلالة؛ حيث ارتفعت أعداد الإصابات بفيروس كورونا في عدد من البلدان مثل البرازيل وروسيا، وتناقصت في بلدان أخرى أهمها إيطاليا. عندما انتشرت العدوى في إيطاليا واشتدت، تساقطت كل الحلول غير الجدية لمواجهة الجائحة؛ حيث رأى الجميع كيف لدولة متقدمة مثل إيطاليا أن تصبح على حافة الانهيار. إنما انتشار الفيروس في بعض الدول يوحي بصعود موجة ثانية من الجائحة، فهي دول لم تتلق الصدمة الأولى، وتعلمت منها، واتخذت السياسات الموصى بها، ورغم ذلك انتشر فيها المرض. في المملكة، استبشرنا جميعًا بزيادة عدد المتعافين، الذي تجاوز عدد المصابين أكثر من مرة، وكان ذلك مدعاة للعودة التدريجية إلى الحياة العامة بعد أسابيع من الإجراءات الصحية الصارمة، إلا أن آثار العودة بدأت تظهر. فقد ارتفعت الإصابة ارتفاعًا ملحوظًا كما لو كانت الأعداد تستأنف خط سير معدًا لها سلفًا. فمن ينظر في الإصابة اليومية سيرى المنحنى يهم بالنزول حتى يصعد مرة أخرى صعودًا حادًا متجاوزًا الأرقام السابقة. واستجابة للزيادة، عادت الإجراءات الاحترازية المشددة كما هو متوقع حينما اقتربت الزيادة من الطاقة الاستيعابية للخدمات الصحية. إن انتشار المرض انعكاس للانضباط الاجتماعي في سلوكه العام أمام مرض مراوغ، لا تظهر له أعراض أحيانًا، وإنما يستكين حتى يتمكن. إن منهجية انتشار الفيروس تضمن له استمراره مدة طويلة، فهو ليس شديدًا حتى يفتك بصاحبه حالما يصاب به، وليس ضعيفًا حتى يُقضى عليه من اليوم الأول. إن انتشار الفيروس مرهون بمدة بقائه نشطًا وقدرته على الانتقال، فلو كان انتقاله شديدًا أيضًا، لكانت إجراءات الوقاية أشد، ولكان الالتزام بشروط الوقاية الشخصية أمرًا بدهيًا للجميع. إنما هو يقع في منطقة وسطى، فلا هو شديد الانتشار ولا هو شديد الخطورة، ونتيجة لذلك استطاع أن يبقى طويلاً وينتشر هذا الانتشار. مقارنة بمناطق الانتشار الشديد، سنجد دولاً لم تُصِبْها الجائحة إما لعزلتها عن العالم، وإما أن بياناتها غير دقيقة، وإما أنها نفذت الإجراءات الاحترازية بالتزام كامل مثل تايوان. فقد التزمت تايوان بالإجراءات الاحترازية حتى بلغت 500 إصابة فقط، في دولة عدد سكانها ثلثي سكان المملكة، في جزيرة مساحتها بحجم محافظة صغيرة. وقد حققت تايوان هذا العدد المتدني من الإصابات دون حجر عام، إنما بالالتزام بسبل الوقاية الموصى بها التي من أهمها لبس الكمامة. يعد مثال تايوان، إضافة إلى دول أخرى مثل اليابان ونيوزيلاندا، دليلاً على أن الوقاية فعالة في الحد من انتشار الفيروس بإذن الله، لكن ما نجحت فيه تايوان وغيرها، فشلت فيه أكثر دول العالم، ما يعني أن الإجراءات التي وضعت غير كافية لعدم ملاءمتها لعادات المجتمع في أغلب الدول. فالفيروس كقول الشاعر (ينفذ ما لا تنفذ الإبرُ) أو كما قيل: لم يدخل (الفيروس) من حدودنا إنما تسرب كالنمل من عيوبنا.