أخبرتني إحداهنَّ قصة عابرة؛ لكنّها لمْ تعبرني بسطحية، بل تسرّبت إلى داخلي لما تحمله من حكمة يجب استيعابها، تقول: منذُ صغري اعتدتُ على تخيُّل شكلي بالنظارات الطبية لمجرد أن يتلفّظ أحدهم أمامي بكلمة (الجامعة)! حتى أثناء مسيرتي الدراسية، كنتُ أسعى للحظة دخولي إلى الجامعة، وأتخيّل كيف سأبدو عندما أصل إلى هذه المرحلة، صورتي بالنظارات الطبية لمْ تكُن تفارقني، رغم أنّي لمْ أكن أضعها، ولمْ أكن أحتاجها! ربما فعلتُ ذلك بسبب الربط الذي شكَّلتُه في ذهني بين الثقافة والنظارة الطبية، رغم أنه ليس ضروريًا! فقدْ تجد مثقفًا لا يرتدي نظارة طبية، وقدْ تجد ممّن يرتدونها مَن لا علاقة لهم بالقراءة، أو الكتابة، أو الثقافة؛ بلْ لأسباب وراثية أو غيرها. لقدْ أخطأتُ بالربط، وأخذتُ بما يُشاع. ماحدَث أنّي درستُ اثني عشر عامًا، وانتهيتُ من مرحلتي الدراسية، دون أن أشكو يومًا من ضعفٍ في البصر، ما الذي حدث قبل دخولي للجامعة بأشهر؟ لستُ أدري! أصابني ضعف مُباغت بسبب الجُهد الذي بذلته في سبيل الانضمام إلى فئة المثقفين، ما أحالني لأن أرتدي النظارة الطبية قبل دخولي إلى الجامعة بعدة أشهر! وبذلك تكون قد اكتملت الصورة التي رسمتها منذُ صغري! الحكمة بشكلٍ صريح ومباشر، لا تستهن أبدًا بالصورة الذهنية التي تكوّنها عن نفسك، فما تتصوّره يصبح أنت. من القصة القصيرة التي روتها أحدهم على عجلٍ ودون أدنى اكتراث لها، أخبركَ مدى تأثير ما تتوقعه عن نفسك، الأمرُ ليسَ صدفة! تفسيره ببساطة أنّكَ تبدأ بتجسيد الصورة الذهنية التي رسمتَها في ذهنك على أرض الواقع، وقدْ يحدث عفويًا، مثلًا في حال تصوّركَ أنكَ إنسانٌ ناجحٌ، وشغوف، ستسلُك سبيل النجاح، ستبدأ بالبحث عن الأمور التي ستُشبع شعورك بأنكَ شخصٌ ناجحٌ، إلى أن يكون النجاحُ حليفك، وتحقّق تصوّرك. للتصوّر الذهني قوّة عظيمة قدْ تكون مخفيّة عن مرأى العامة، للتصور الذهني قوّة مُدهشة أسعى بحماسة لأنْ يدركها كثيرون، ولأنْ يكوِّن كل منّا صورة ذهنية تليقُ به، وليبدأ بالفصل بين التخيّل والحقيقة، من خلال العمل على تحقيقها على أرض الواقع، وسأخبركَ سرًا عنّي، ما أنا عليه الآن هو التصوّر ذاته الذي رسمتُه في طفولتي، مع أغلب تفاصيله، والقائمة تطول عنْ أشخاصٍ مثل الإنسانة التي ذكرتُها في القصة، ومثلي.