من بدائع خلق الله تعالى في الكون هو اتساقه في نظام واحد، فلا تجد التداخل بين الشمس والقمر ولا تسابق بين الليل والنهار، فالكل يسير وفق نظام واحد لا يحيد عنه، بحيث يؤدي كل مخلوق وجزء دوره بالشكل المطلوب منه، وتجد هذا النظام في تكوين الإنسان منذ بداية خلقه ففي حضانته له نظام لا بد من اتباعه سواء كان صحياً أو غذائياً، وتجده في طفولته في نظام تعليمي وغذائي وصحي، وفي المراهقة يتبع نظام يجمع فيه بين التعليم واللعب والاكتشاف، وفي شبابه له نظامه المتعلق بالوظيفة والأسرة والاستقلال. تُطلق كلمة نظام ويراد بها عدة معاني، فأحياناً يقصد بها قواعد وإجراءات مثلا نظام المرور أو نظام الجوازات أو نظام التقاعد، وأحياناً يراد منها الوصف فيقال مؤسسة أو شركة نظامها ناجح، وتعني أحياناً ترتيب الأولويات فيقال فلان منظم وقته وحياته، وأحياناً يقصد به وصف حالة مؤقتة يشاهدها الإنسان في السوق أو إشارة المرور فيقول الناس مصطفون أو واقفون بانتظام. ديننا يعلمنا النظام منذ أن يبدأ الإنسان حياته، فيتعلم الإنسان بالفطرة بأن الليل للراحة والنوم، والنهار للعمل والحركة، وأن الصلوات الخمس منظمة وفق الأوقات فلكل فرض وقت دخول وخروج، ويؤسس لنا مفهوم النظام في الفصول الأربعة ما بين الربيع والصيف والخريف والشتاء، ونتعلم بأن السنة تنقسم إلى شهور، فهي رسالة بأن الحياة نظام وأكثر الناس التزاماً بالنظام أكثرهم نجاحاً. بل أمر الله عز وجل الطاعة للحاكم ليصطف الناس خلفه وحوله ففي اجتماعهم نظام وقوة وهيبة، وجُعل الإمام في الصلاة نظام ليؤتم الناس به ويتابعوه ولا يختلفوا عليه، وكان كلامه صلى الله عليه وسلم منظماً في منطقه وكلامه، بل إن من خصائص الإداري الناجح هو التزامه بالنظام في عمله فلا تأخير ولا تأجيل ولا فوضى ولا مزاجية، بل إن النظام يحفظ للإداري هيبته فلا يقول ما لا يفعل، وكلما كان هناك نظام قل معه الفساد أو الفوضى أو الإهمال. وفي حث الإسلام باحترام الصغير للكبير نظام التقدير، والرأفة بالصغير نظام الرحمة، وإجلال العالم على الجاهل نظام التفاضل الاجتماعي، والجلوس حيث ينتهي المجلس نظام يؤصل التواضع، وإلقاء التحية قبل الكلام نظام للتواصل، وتفاضل الأمكنة والأزمنة نظام كوني شرعي، وتقديم قارئ القرآن على غيره نظام، وتقديم القارئ العالم بالسنة على القارئ فقط نظام، وتقديم القارئ للقرآن العالم بالسنة الأقدم بالهجرة نظام، واحترام الرجل في بيته فلا يؤم في سلطانه إلا بإذنه نظام احترام المكان، وترتيب فروض الوضوء نظام وهكذا دواليك، فكلما كان النظام سلوكاً للإنسان كان أكثر إنتاجاً ونجاحاً وقوة، لأن الحياة نظام، والنظام حياة، فهل يساعدنا كورونا على إعادة ثقافة النظام؟