الأسبوع السادس للحجر. نقاشات عن تخفيف قبضة الحجر تقابلها النوايا غير المعلنة للكورونا التي تتوعد بالكر والفر.. هجمة تترتب في الغيب ربما. الشك ما زال يتمدد للصابون وللماء وللمعقمات.. الشك حين يبدأ يجري لكل شيء حتى أنفاسك ذاتها. حسنا لا بد أن نثق بالله. من نافذتي يباغتني زوج العجوزين يتمشيان في زمن الكورونا، هو يتسند على جهاز للمشي، بينما هي تحاديه في تنورتها الحمراء ومعطفها الجلد وحقيبة اليد الأنيقة، بيديها منعقدتين وراء ظهرها كمن يتملَّى، بخطو حنون يعبران الطريق في تأمل عميق، بقلبي صلاة تحوطهما، أفكر «مثل هذين لا تجرؤ الكورونا على مقاربتهما؛ لأنها تعرف أن ليس لديهما ما يخسرانه، حين تخرح مستشهدًا تصبح فوق الخوف..» يشجعك تهاديهما على حافة الخطر، تبادر بالخروج، متجاهلًا الأنباء عن رصاص حي يُطْلَق ليُردي قتيلًا من يخترق الحَجْر في بعض الدول الإفريقية. لا تُحصَى الفبركات على الإنترنت الغائر الدهاليز. تطوف على قدميك في الدروب الخالية لهذه المدينة التي كانت قبل شهر تعج بالبشر وبالأنشطة الثقافية كخلية نحل. تخرج تمشي الهوينى في فراغ المدينة كمن يمشي في رأس فقد ذاكرته، لا تفكر بخطر الكورونا بقدر ما تفكر بخطر أن تلتقي من سيحرجك ويجعلك ترتطم بالواقع حين يسألك، «إلى أين أنت؟»، لأنك نفسك لا تعرف، إذ من منا يملك إجابة لهذا السؤال «إلى أين؟ وأين سننتهي كأفراد وكبشرية؟». تفكر جديًا باستئجار كلب، حين الكلاب المحظوظة لم تفقد حقوقها بحضرة الكورونا، ما زال من حقها التمشي يوميًا وتخطيط مذكراتها على فراغ الأرصفة المهجورة، مذكرات من عصارة الكلى والأجواف. نعم تكتشف بحدة ضعف قدرتك القياسية للمسافات؛ إذ ما زال محفوظًا للبشر حق التمشي أو التمرين لكن ضمن الحي وفي مسافة لا تتجاوز الكيلومتر الواحد، لكن كيف تعرف قدماك حساب الكيلومتر فلا تستدرجك لتجاوزه؟ أسئلة ومخاطر تافهة بمقابل مشاهد الألم التي تعرضها الشاشات لبشر تختنق بانتظار سرير وجهاز تنفس اصطناعي في غرفة إنعاش بمستشفى يكتظ ويركع طاقمه الطبي تحت التدفق غير المسبوق للمرضى، أو مشاهد الجثث التي تحمل بالكلابات في شاحنات المشارح المتنقلة أمام المستشفيات. تزعجني بشكل خاص الجثث في بلاستيك وتحمل بالكلابات لتشحن في شاحنات تذهب لا نعلم لأين.. حتى إن كانت مشاهد مفبركة إلا أن شيئًا في ذلك المشهد يظل يراجعني، مثل انتهاك لحرمة الجسد، لكن ما باليد حيلة، مثل الجثث التي تتحنط لأيام في دور العجزة بانتظار تصاريح بالدفن وحضور من يتسلمها مثل شحنات لا يرغب في تسلمها أحد. لكن بلا شك الحياة لا تقل قوة ورباطة جأش عن الموت، يموت من يموت ويحيى من حيي، ولا تزال الحياة تتدفق رغم مطالبات ممثلات حقوق المرأة للحكومات بوضع قانون يعطي الحوامل حق الإجهاض في هذه المرحلة الخطرة، بل بتوفير إجراء عمليات الإجهاض منزليًا، على خلاف رفيقة رئيس الوزراء البريطاني التي اجتازت الأزمة بالجنين في أحشائها يركل بين سحب الكورونا ليخرج أخيرًا ليواصل السباحة في هذا التيار الذي هو الحياة، والذي لا ولن يكف حتى حين تتوقف الحركة للخارج بحجر صحي يشمل المليارات من البشر مما يزيد على نصف سكان الكوكب.