إذا كانت جائحة كورونا تركت آلاماً وأوجاعاً كثيرة لدى الكثيرين من المتضررين من أثارها في السعودية ومختلف دول العالم، فإنها زرعت الأمل والإرادة في أوردة قطاعات عريضة، وكانت سبباً في إطلاق مبادرات إبداعية مميزة، وعلى رأسها مبادرة "العمل المرن" التي أعلنت عنها وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية قبل أيام، مستهدفة الأفراد السعوديين ذكورًا وإناثًا، والمنشآت في كافة نشاطات القطاع الخاص. وإذا كانت "الحاجة أم الاختراع"، كما يقول المثل الإنجليزي، فإن القوة الدافعة الرئيسية لمعظم الإبداعات الجديدة كانت في البحث عن حلول تواكب تطلعات المجتمع، ولاشك أن صناع القرار ونحن معهم شعرنا في ظل الظروف الاستثنائية التي نعيشها بضرورة وجود حلول بديلة، في حال رحيل الكفاءات الأجنبية التي تعمل على أرضنا، ونكن لها كل تقدير واحترام، لكن جائحة كورونا العالمية أظهرت حاجة كل مجتمع للاعتماد على موارده بشكل أقوى، وبالتأكيد أهمها على الإطلاق الموارد البشرية. أحدث الدراسات العالمية التي أجرتها مجموعة IWG، تقول: إن العمل ليس "رفاهية" بل واقع في كثير من دول العالم، حيث أكد 75 % من الموظفين حول العالم أنه بات أمراً طبيعياً.. فعلاوة على أنه يوفّر فرصاً وظيفية جديدة لفئة عريضة من المجتمع، ويساهم في زيادة مصادر الدخل للمبدعين والمتميزين من الموظفين، فهو يوفّر حلولاً مهمة على صعيد العمالة الأجنبية وخصوصاً الكفاءات المميزة منها، حيث شارك 15 ألف شخص من 80 دولة في استطلاع حول العمل المرن، اختار 83 % من المشاركين العمل في بيئة عمل توفر سياسيات مرنة، وما يقرب من الثلث (28 %) يفضلون اختيار موقع العمل عن الحصول على زيادة في معدل الإجازات، ونتيجة لذلك، اعتمدت 85 % من الشركات، خلال السنوات العشر الماضية، سياسات العمل المرنة أو تخطط لتبنيها. صحيح أن كثيراً من الشركات في العالم لم تتبن سياسة العمل المرن بشكل كافٍ حتى الآن، لكن 60 % من المشاركين في الاستطلاع أكدوا ضرورة تغيير ثقافة قطاع الأعمال، وضرورة تطوير فكرهم، والإيمان الكامل بأن تحقيق وتعزيز الإنتاجية والمهارة واستقطاب أفضل العقول والمواهب. شخصياً أتوقع أن يستفيد 50 ألف شخص سعودي على الأقل خلال العام الأول من التنظيم الذي اعتمدته وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، وأن يصبح العمل المرن واقع حقيقي في جميع القطاعات مع الوصول إلى 2030، وتحقيق الكثير من تطلعات السعوديين عبر رؤيتهم المباركة التي أطلقها "عراب الوطن" ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان "يحفظه الله". المهم في رأيي أن تستوعب الشركات "خصوصاً الصغيرة منها" التنظيم الجديد، فهو كما أكد الوزير المهندس أحمد الراجحي، سيسهم في دعم اقتصاد المملكة على صعيد المنشآت والأفراد لتخطي الأزمة الراهنة، وبل وسيمضي قدماً في تحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030 من خلال رفع معدلات مساهمة الكوادر الوطنية في سوق العمل وخفض نسبة البطالة، وسيؤدي العمل مع غيره من المبادرات التي أطلقتها الوزارة في تمكين المواطنين والمواطنات، وتحفيز القطاع الخاص لدعم التوطين.