نظرًا لحداثة هذا المجال، والاهتمام المتزايد به في المملكة، وكذلك تزايد أعداد الطلاب من ذوي الإعاقة، خاصَّة أولئك الذين بلغوا سن التدريب والعمل في المملكة خصوصًا وفي العالم عمومًا، أحببتُ أن أسلِّطَ الضوء على ماهية التعليم الانتقالي، كونه مفهومًا يرتكز على أساس علمي متدرج، له تشريعاته وقوانينه المتكاملة، وذلك من خلال تجربتي في الولاياتالمتحدة، وقيامي بجمع المعلومات والممارسات من بعض المدارس ضمن برنامج (بناء قادة التغيير من خلال المعايشة المهنية في المدارس). لقد سنَّت الولاياتالمتحدة الأميركية قوانين وتشريعات تسعى لإتاحة التعليم لجميع المواطنين، ومن بينهم الطلاب ذوو الإعاقة، أو من نسميهم (أصحاب الهِمَم)، وأحد هذه القوانين «قانون تحسين تعليم الأفراد ذوي الإعاقة (IDIEA)»، وهو تشريع يضمن تزويد الطلاب ذوي الإعاقة في المدارس الحكومية ببرنامج تعليمي فردي (IEP)، قائمٍ على تلبية الاحتياجات، ومراعاة تحقيق الأهداف التعليمية للطالب. ويتطلب IDIEA أن تكون هناك (خطة انتقالية) للطلاب ذوي الإعاقة ببلوغهم سن 16 عامًا، وقبل مغادرتهم المرحلة الثانوية. وينصُّ القانون في خُطَّة الانتقال على مراعاة تفضيلات الطالب واحتياجاته، ومواطن قوّته، وجوانب اهتماماته، على أنْ تُراجع تلك الخطة سنويًّا، بتغذية راجعةٍ من الطلاب أنفسهم، وأولياء أمورهم. ويتشكَّل الهدف الأسمى لهذه العملية، في إعادة إدماج ذوي الاحتياجات الخاصَّة في المجتمع، بعمل يتناسب مع قدراتهم المتبقية، بما يحقق لهم آثارًا إيجابية ونفسية.. ومن ناحية إنسانية، هو احترام لعجزهم وضعفهم في بعض المهمات، والاعتراف بقدرتهم بما يتناسب مع إمكانياتهم للعمل والتدريب، وتقديرًا لذاتهم والتعامل معهم كأشخاص قادرين مستقلين معتمدين على أنفسهم. وتأتي (مرحلة ما بعد الثانوية) على رأس أهم المراحل في حياة ذوي الاحتياجات الخاصَّة، وهي مرحلة انتقالية؛ حيث ينتقل فيها الطالب من أسوار المدرسة إلى الانخراط في المجتمع سواء بالتدريب الذي ينتهي بالتوظيف، أو بمواصلة الدراسة الجامعية. وقد تبدو تلك المرحلة مصيرية له، ولأسرته؛ حيث يواجهون نظامًا جديدًا بعد مغادرة أبنائهم المدارس، ويلاحظون الاختلاف عما اعتادوا عليه في السابق، من خدمات تربوية تعليمية في المدرسة، فتتبادر لأذهانهم تساؤلات عن مدى إمكانية حصول أبنائهم على فرص تعليمية، أو مهنية مناسبة؛ لذلك شهدت الفترة الأخيرة، تزايد الاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة في مسألة التوظيف؛ إذ يُعدّ التوظيف من أكبر التحديات التي تشغل أذهان العاملين والمهتمين بهذه الفئة، وإنْ كان لا يزال هناك قصور في دمجهم بسوق العمل، على الرغم من وجود قانون دولي ينص على توظيفهم؛ فقد نصت (المادة ال27) في اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، رقم 611/61، في 13 ديسمبر 2006، على حق الأشخاص ذوي الإعاقة في العمل، ومساواتهم في الفُرص مع الآخرين بإتاحة فرص عمل مناسبة لهم، وحماية حقوقهم بتوفير الأعمال الملائمة لظروفهم، وتخصيص الأجور العادلة لهم، وتمكينهم من التدريب والتأهيل لسوق العمل، فضلًا عن تكافؤ الفرص. لقد واجه كثير من الطلاب (مُتَحدِّي الإعاقة) - خاصة الإعاقات الشديدة منها - تحديًا كبيرًا في مرحلة ما بعد المدرسة الثانوية، مقارنة بأقرانهم العاديين، فعلى سبيل المثال: كثير منهم لا يستطيعون الحصول على الوظائف، وبالتالي لا يستطيعون العيش بشكل مستقل ماليًّا، وكثير منهم لا تتاح لهم الفرصة لمواصلة التعليم بعد الثانوية، ولعل السبب في ذلك عدم تأهيلهم التأهيل المناسب في وقت مبكِّر حتى بلوغ مرحلة ما قبل التخرج، (المرحلة الثانوية). وأخيرًا وليس آخرًا، من خلال هذه التشريعات والقوانين، ومن مبدأ الثقة والإيمان بقدرات الأشخاص ذوي الإعاقة سأقول: تلك الفئة الغالية علينا قادرة؛ نعم قادرة على العطاء والإنتاجية إذا تم تدريبها بما يتناسب مع قدراتها، فلن تمنعها إعاقتها من النبوغ في أي مجال، فأفرادها هم أصحاب الهمم بالأمس، واليوم، وغدًا بإذن الله. * باحثة دكتوراة - جامعة الملك سعود